وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم

بدر شاشا

في مسيرة الحياة، كثيرًا ما نقف أمام أحداث لم نخترها، ونواجه أقدارًا لم نكن نرغب فيها، فنحزن ونتألم ونسأل في صمت: لماذا حدث هذا؟ ولماذا الآن؟ وهنا تأتي هذه الآية العظيمة كبلسم للروح، وكلام يوقظ القلب من ضيق النظر وقلة الصبر: ﴿وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. هذه الآية تعلمنا أن مشاعرنا ليست مقياسًا للحقيقة، وأن الألم ليس دليلًا على الشر، كما أن الفرح ليس دائمًا علامة على الخير.

 

فكم من أمر كرهناه في بدايته، ثم اكتشفنا بعد حين أنه كان نقطة تحول في حياتنا، وكم من باب أغلق في وجوهنا فحزنّا، ثم تبين أنه لو فُتح لكان فيه هلاك قلوبنا أو ضياع ديننا أو انكسار كرامتنا.

 

قد نكره المرض، لكنه يوقظ القلب الغافل، ويقرب العبد من ربه، ويكفر الذنوب، ويعلم الإنسان معنى الضعف والافتقار إلى الله. وقد نكره الفشل، لكنه يمنحنا حكمة لم نكن لنحصل عليها بالنجاح السهل، ويصقل أرواحنا، ويجعلنا نعيد النظر في اختياراتنا وأهدافنا. وقد نكره التأخير، وهو في حقيقته حماية ورحمة، لأن الله يؤخر ليعطي، ويمنع ليحفظ. وفي المقابل، كم من شيء أحببناه وتعلقنا به، وظنناه الخير كله، ثم صار سببًا في تعبنا وضيق صدورنا، أو جرّنا إلى الغفلة، أو أبعدنا عن الطريق المستقيم. فالنفس تحب العاجل، وتميل إلى السهل، ولا ترى إلا اللحظة، بينما الله يرى العواقب، ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، وما يقربنا منه وما يبعدنا عنه. ولهذا ختم الله الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، ليضع الإنسان في موضعه الحقيقي: عبدٌ محدود العلم، ضعيف الرؤية، لا يرى إلا ظاهر الأمور، بينما الله سبحانه عليم بكل شيء، حكيم في قضائه، رحيم في تدبيره، لا يختار لعبده إلا ما فيه الخير، ولو جاء هذا الخير في ثوب الألم.

 

إن الإيمان بهذه الآية يحرر القلب من القلق، ويمنح النفس سكينة عجيبة، ويجعل الإنسان يعيش مطمئنًا مهما تقلبت الأيام. فلا يجزع عند البلاء، ولا يغتر عند النعمة، بل يسلم أمره لله، ويمضي في الحياة واثقًا أن كل ما يقدره الله له هو الخير بعينه، وإن خفي عليه في البداية.فطوبى لقلبٍ فهم هذه الآية، وعاش بها، وجعلها نورًا يهديه عند الشدائد، ويذكره دائمًا أن اختيار الله له أعظم وأرحم من كل ما كان يتمناه لنفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.