هل يلجأ ترامب لتطهير الحزب الديمقراطي وخوض حرب مع إيران؟

مجلة أصوات

سؤال أطرحه على نفسي بعد نتائج القصة الكاملة حول جو بايدن: كيف كان من الممكن حتى الحفاظ على تصنيف شعبيته عند مستوى مماثل لترامب؟

وبغض النظر عن المواقف المثيرة للضحك، التي كان بايدن يقع فيها، وعن السرعة التي تدهور بها خرف الشيخوخة لديه، لم ينخفض تصنيفه بأكثر من جزء بالمئة، وظل عند نفس مستوى ترامب تقريبا. وحتى التضخم الذي صدم الأمريكيين والوضع الاقتصادي المتدهور عموما، لم يتمكن من تدمير فرصه في إعادة انتخابه. لقد تولد شعور لدي أنه، حتى لو مات الرجل، فإن تصنيفه لن ينخفض أكثر من 2-3%، وستظل لديه فرصة جيدة لإعادة انتخابه…

 يحدث الشيء نفسه مع كامالا هاريس: غباء صريح، لسان أعوج، وقلة في الإنجازات، فضلا عن أنها لم تقم بحملة انتخابية بالأساس، ولم يمنعها كل هذا من الحصول تلقائيا على دعم جمهور الناخبين الديمقراطيين بأكمله تقريبا.

إن الأمريكيين من المعسكرين يسعون في الأغلب لمنع الخصوم السياسيين من الفوز بأي طريقة أكثر من رغبتهم في انتظار أي إنجازات من مرشحيهم.

والبلاد منقسمة بشكل أساسي، حتى أن ترشح السياسيين وأداءهم يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد انتماء المرشح إلى معسكره وهو الأمر الأهم. تغيير الأشخاص هنا، مع الحفاظ على المسار، لا يغير من ترتيب الأمور شيئا.

 

 

وهذا الترتيب يكرر بشكل كبير عملية الاحتكاك العرقي والاجتماعي للولايات المتحدة، والتي يستحيل أو يصعب تغييرها بسرعة، بمعنى أن تغيير المرشحين، لن يؤثر، على الأرجح، على توازن القوى في هذه الانتخابات. لكن خلال الأربع سنوات القادمة من ولاية الرئيس القادم سيتغير الموقف بالتأكيد، وسيفقد الجمهوريون كل فرصهم للفوز.

 

وقد أعطت الظروف الفريدة من نوعها، الخرف المتسارع والملحوظ لبايدن خلال العام الأخير، ومحاولة الاغتيال الفاشلة لترامب، فرصة أخيرة لكنها كبيرة لممثل الحزب الجمهوري. وبدون مفاجآت غير متوقعة وفريدة أيضا بنفس القدر، فإن احتمالات فوز مرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة وبعد القادمة بالطرق السلمية معدومة.

 

لكن هناك استثناء محتملا، وهو إذا انقسم الحزب الديمقراطي إلى حزب ليبرالي تقليدي، وحزب أقليات قومية متحيز باتجاه الاشتراكية.

فالأمريكيون من أصول أمريكا اللاتينية يشكلون أقلية عرقية، تحمل قيما محافظة. وفي الجيل الثاني يميل كثيرون منهم إلى التصويت لصالح الحزب الجمهوري والحد من الهجرة. في الوقت نفسه، يتقاسم المهاجرون من أمريكا اللاتينية الأفكار الاشتراكية أكثر من غيرهم.

وأعتقد أن زيادة حصة هؤلاء من شأنه أن يؤدي إما إلى تحول أكبر في الحزب الديمقراطي نحو اليسار، أو إلى انقسامه (وهو الأكثر ترجيحا). كما يرجح الخيار الأخير أيضا عامل مسؤولية قيادة الحزب القديمة عن الهزيمة المقبلة في الانتخابات.

في الوقت نفسه، فإن برنامج ترامب (محاولة نقل الإنتاج إلى الأراضي الأمريكية)، لا يمكن أن يؤدي سوى إلى زيادة التضخم، وهو ما سيؤثر في المقام الأول على الفقراء من السود والأمريكيين اللاتينيين قبل أي أحد آخر. بمعنى أنه في غضون عام أو اثنين، وبالتأكيد بحلول نهاية ولاية ترامب المقبلة، من المرجح أن يخسر الجمهوريون أصوات الناخبين المتشككين، والأقليات العرقية الفقيرة. وكلما تطورت الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر وأسرع، كلما حدث ذلك على نحو أسرع. وستبدأ حينها تصنيفات شعبية ترامب في الانخفاض بسرعة منذ اليوم الأول له في منصبه، ولن يكون لديه الكثير من الوقت لتنفيذ برنامجه، سنة أو سنتين كحد أقصى، ثم سيستخدم معظم طاقته في محاربة الأزمات الحادة.

بالتالي، فمن المرجح أن يدرك الجمهوريون التهديد، وسيكون على ترامب القضاء على الحزب الديمقراطي بشكله الراهن في أسرع وقت ممكن، إذا ما أراد الجمهوريون أن يكون لهم مستقبل على المستوى الفيدرالي. وربما يثير القمع المحتمل ضد القيادة الديمقراطية صراعا وانقساما داخل الحزب، بالتالي فهو مرغوب به على نحو مضاعف بالنسبة لترامب، الذي لا شك أنه يتوق إلى الانتقام.

بدوره، سيحصل الديمقراطيون وبسرعة، في غضون عام تقريبا، على ظروف جيدة لإزاحة ترامب بالقوة من السلطة. سيكون بإمكانهم الانتظار، إلا أن هذا ينطوي على خطر التحول إلى ضحية للقمع الوقائي.

إن الوضع داخل الولايات المتحدة يتطور بشكل مشابه جدا للمواجهة الصينية الأمريكية، حيث يجب على ترامب/الولايات المتحدة إثارة الصراع بينما لا تزال لديها الفرصة للفوز، وإلا سوف تختفي من المشهد التاريخي. وهو أيضا من ضمن الاحتمالات المتاحة، وحينها سنشهد بدلا من التصعيد المستهدف رفضا للقتال وانهيارا فوضويا، ولكن في وقت لاحق. لكني أعتقد أن احتمال حدوث مثل هذا السيناريو في عهد ترامب منخفض.

بالتوازي، تتطور أزمة السياسة الأمريكية الخارجية.

فالغرب يخسر تدريجيا الحرب في أوكرانيا، ولكن حتى ولو كان الأمر غير ذلك، فإن استمرار الحرب في حد ذاته يقيّد أيدي الولايات المتحدة في العمل ضد الصين، والوقت ينفد.

 من هنا تزداد وتيرة الجهود والحديث عن مؤتمر سلام بشأن أوكرانيا، واستعداد ترامب لتقديم تنازلات لروسيا، التي تكتسب المزيد والمزيد من الأوراق الرابحة كل يوم. وأعتقد أنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مؤقتة مع روسيا (أعتقد أن الأمر سيستمر على هذا النحو)، فسوف يتخلى ترامب ببساطة عن أوكرانيا، ما سيمنح أوروبا “شرف” التعامل مع هذه المشكلة. وليست خطة ترامب للسلام في أوكرانيا سوى خدعة، ولن ينفذ تهديداته ضد أي من طرفي النزاع.

في الوقت نفسه، أصبح الوضع بالنسبة لإسرائيل لا يطاق على نحو متزايد، والتكاليف الاقتصادية للحرب والحصار اليمني تدمر اقتصاد البلاد بشكل متزايد. والخروج يتطلب التصعيد، وهو ما سيشمل الولايات المتحدة، أو النصر بأي طريقة أخرى، وربما جذرية للغاية. وهذا يعني أن الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط تبدو حتمية وقريبة بشكل متزايد أو محتملة جدا كحد أدنى، ومن المستحيل بدء حصار أو حرب مع الصين دون إغلاق ملف الشرق الأوسط، إما عبر تنازلات (غير واردة) لإيران، أو من خلال الحرب.

لذا تنقسم أهم أولويات ترامب بين هدفين: تحييد الصين والحزب الديمقراطي. أما المهمة الثالثة من حيث الأهمية، لكنها الأولى من حيث التوقيت، فتتلخص في تجميد الحرب بأوكرانيا، وإما تجنب الحرب في الشرق الأوسط أو إنهاؤها بسرعة.

هناك حجة أخرى لصالح المشاركة الأمريكية المباشرة في الحرب بالشرق الأوسط، وهي أنها ستسمح لترامب باستخدامها لفرض حالة الطوارئ وقمع الديمقراطيين بذريعتها. وقد تقلل مثل هذه الخطوة احتمالات نشوب حرب أهلية من خلال إضفاء الشعور بشرعية القمع.

إقرأ المزيد

قانون الطبيعة: باختيار النصر التكتيكي نعجّل بالهزيمة الاستراتيجية

إضافة إلى ذلك، فإن الحرب في غزة تؤدي إلى انقسام الحزب الديمقراطي، ومن مصلحة ترامب تصعيد هذه القضية قدر الإمكان، لتحقيق أقصى قدر من المواجهة غير القابلة للتسوية داخل الحزب، كما أنه من الممكن أيضا استخدام الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، التي ينظمها الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، كذريعة لحظر الحزب.

مع ذلك، وحتى بدون هذا الدافع، فإن الحرب في الشرق الأوسط يجب أن تصل بسرعة إلى درجة قصوى من الوحشية، ذلك أنه يجب على الولايات المتحدة تحييد إيران بسرعة، إذا ما أرادت أن تضمن نجاحها في مواجهة الصين.

للوهلة الأولى، قد تبدو السيناريوهات المذكورة متطرفة للغاية، ولا تصدق. لكن رأيي المتواضع أن المشكلات والمتناقضات لا يمكن حلها بالطرق السلمية السابقة، لهذا يصبح الاختيار الوحيد هو بين هذه السيناريوهات المتطرفة، وبين انتحار الولايات المتحدة على طريقة الاتحاد السوفيتي، الذي انهار بينما كان يمتلك أكبر ترسانة نووية، وجيشا قويا، واقتصاد متطور ومكتف ذاتيا. لذلك لا أدعي أن كل ما وصفته سيتحقق، لكنني فقط أقول إنه إذا اختارت قيادة إسرائيل والولايات المتحدة والغرب ككل طريق مقاومة الهزيمة الحتمية، فإنها سوف تضطر إلى اتخاذ أقصى ما يمكن من تدابير جذرية، وغياب هذه التدابير في العامين المقبلين سيكون بمثابة هزيمة ذات عواقب كارثية، ولكن بعد ذلك بوقت قليل.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.