إعداد د. مبارك أجروض
تُعرّف الرياضة بكونها مجهود جسدي يقوم به الإنسان بهدف المتعة، أو الترفيه، أو التنافس، أو تطوير مهارته، أو التميز عن الآخرين، أو زيادة ثقته بنفسه، وتختلف هذه الأهداف من شخص إلى آخر، واستوحى الإنسان الرياضة من أسلوب حياته اليومي، في الصيد، وركوب الخيل، والرماية، والقفز، والركض من الخطر، كما أن نشأة الرياضة بدأت من المجتمعات القديمة الأولى، مثل المجتمع الفرعوني المصري، الذي كان يمارس رياضة المصارعة، والرقص، والمجتمع الصيني الذي كان يمارس لعبة كرة القدم بالكرة الحديدية.
وعلى الرغم من أن ممارسة الرياضة غالبًا ما تساعد على تحسين الصحة الجسدية والنفسية، إلا أنه توجد حالات قد تصبح فيها هذه الرياضة ضارة، فلا أحد يستطيع أن ينكر فوائد ممارسة الرياضة التي تشمل العديد من النتائج الإيجابية على الصحة العقلية والجسدية على حد سواء، كما أن هذه الفوائد لا تخص فئة من دون غيرها، فالكل يمكن أن يستفيد من هذه الممارسة بعض النظر عن السن أو الجنس أو الإمكانيات الجسدية، لكن بعض الدراسات أشارت أيضا إلى بعض الأضرار المحتملة أو احتمالات خطر الإصابة ببعض الأمراض في بعض أنواع الرياضة، وفي هذا المقال نستعرض الجانبين على حد سواء.
* فوائد ثابتة
كما ذكرنا، تقدم الرياضة لمن يمارسها فوائد جسدية وعقلية عديدة على مستويين:
على المستوى الجسدي:
ـ تساعد الرياضة في تقليل الوزن.
ـ تقلل من احتمالات حدوث بعض الأمراض أو تساعد على التحكم في العديد منها (مثل أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، السكتات الدماغية، النوع الثاني من السكري، التهاب المفاصل).
ـ كما تعزز الرياضة من الاستخدام الجيد للطاقة داخل الجسم.
ـ تحسن من جودة الحياة الجنسية.
أما على صعيد الفوائد العقلية:
ـ الرياضة بوجه عام تمثل نشاطا اجتماعيا ترفيهيا، لذا فهي تحسن المزاج العام لمن يمارسها.
ـ تحسن من مستوى التركيز.
ـ تقلل من التوتر والاكتئاب.
ـ بالإضافة إلى ذلك، تحسن الرياضة من عادات النوم.
ـ تزيد من مستوى الثقة بالنفس.
ـ كما ترتبط بالعديد من صفات القيادة.
ليس هذا فحسب، فقد وجدت إحدى الدراسات أن ممارسة الرياضة ترتبط بطول العمر واحتمالات البقاء على قيد الحياة، هذه النتائج أثبتتها الدراسة التي قام بها باحثون من الدنمارك، وشملت 9000 شخص تمت متابعتهم لمدة تصل إلى 25 عاما، واختلفت النتائج في الرياضات المختلفة، فقد تبين أن لاعبي التنس هم الأطول عمرا بين لاعبي الرياضات المختلفة، بمتوسط عمر أعلى من كرة القدم، والسباحة، وركوب الدراجات.
أضرار الرياضة المحتملة
ـ أضرار على القلب والأوعية الدموية
لكن دراسات أخرى تحدثت عن أضرار محتملة لبعض أنواع الرياضة، فعلى الرغم من الفوائد المعروفة للرياضة للقلب والأوعية الدموية، أشارت دراسة نشرت في عام 2012 إلى أن ممارسة الرياضات التي تتطلب مشقة كبيرة وقدرة كبيرة على التحمل (مثل الماراثون، وسباقات الدراجات الطويلة) لمدة طويلة قد تحدث تغيرات ضارة في القلب والأوعية الدموية.
فممارسة هذه الرياضات يزيد الحمل على القلب، وهو ما يؤدي إلى نقص مؤقت في ضخ الدم من القلب، ويرفع من مستوى إنزيمات القلب، وهي الحالة التي تعود إلى الوضع الطبيعي خلال أسبوع، ولكن مع تكرار هذه العملية على مدى الشهور والسنين، قد تتحول إلى ضرر دائم من خلال حدوث تليف في عضلات القلب، خاصة في الأذينين، والبطين الأيمن (وهو المسؤول عن ضخ الدم إلى الرئتين ليحمل بالأكسجين ثم يعود إلى الجانب الأيسر من القلب).
هذه التغيرات قد تتسبب في اضطراب توصيل الإشارات داخل القلب، وهو ما يؤدي إلى حدوث حالة من عدم الانتظام في ضربات القلب، وبالإضافة إلى ذلك، فممارسة هذه الأنواع على المدى الطويل قد ترتبط بحدوث تكلسات في الشرايين التاجية المغذية للقلب (وبالتالي لفقدانه المرونة المطلوبة للانقباض والانبساط اللازم لضخ لدم)، ولكن الدراسة أشارت في النهاية إلى أن هذه المعلومات ما زالت في طور النظرية، خاصة مع وجود اختلاف في نتائج الدراسات التي قامت ببحث هذه النقطة، لذا نصح الباحثون بمزيد من الدراسة من أجل التعرف على الأشخاص الذين قد ترتفع لديهم احتمالات الخطورة للإصابة بهذه المشاكل، وبالتالي اختيار الممارسات الرياضية التي تناسب أجسامهم.
ـ أضرار الرياضة بسبب رياضات معينة
هناك أيضا بعض الرياضات التي قد ترتبط بأمراض معينة، وعلى رأس هذه الرياضات رياضة الملاكمة، فعلى مدى عدة عقود كان من المعروف أن تكرار الضربات على رؤوس الملاكمين قد يؤدي إلى ضرر دائم في المخ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حدوث بعض الأمراض العصبية شبيهة بالخرف ومرض باركنسون، كما تؤدي ممارسة هذه الرياضة إلى حدوث حالة تسمي اعتلال الدماغ المزمن encéphalopathie traumatique chronique، وهي الحالة التي يرى بعض الخبراء أنها تمثل أهم مضاعفات الملاكمة في صورتها الحالية، وتعرف هذه الحالة أيضا “بخرف الارتجاج” و”متلازمة السكر الناتج عن اللكمات”، حيث ينتج عن تكرار ارتجاج المخ الناتج عن اللكمات.
وهذه الحالة لا تحدث فقط عند لاعبي الملاكمة، بل قد تحدث أيضا في الرياضات الأخرى التي ترتبط بالالتحام بين اللاعبين (مثل كرة القدم الأميركية، هوكي الجليد، البيسبول، المصارعة، والرغبي)، ويرتبط المرض بحدوث تغيرات في الشخصية، وزيادة نسب الانتحار، وكذلك حدوث تغيرات في المخ والأعصاب التي تؤدي إلى حدوث الخرف. ولكن في المقابل هناك جدل حول وجود هذه الحالة من عدمه، فبعض الدراسات تشير إلى أن هذا التشخيص ليس دقيقاً، وأن المشاهدات الخاصة بهذه الحالات لا ترتقي إلى كونها مرضاً واضحاً ومحدداً.
لكن هناك أدلة جديدة ظهرت في بعض الرياضات الأخرى، فالدراسة التي نشرت في شهر نوفمبر الحالي في مجلة نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن أشارت إلى أن لاعبي كرة القدم المحترفين السابقين لديهم احتمالات أعلى للوفاة بمقدار 3 مرات من بعض الأمراض العصبية التي تشمل الزهايمر (ارتفعت احتمالات الوفاة 5 مرات)، التصلب الجانبي الضموري (4 مرات)، ومرض باركنسون أو الشلل الرعاش (ارتفعت احتمالات الوفاة مرتين)، وذلك بالمقارنة بالمجموعة الضابطة (أشخاص أصحاء عاديين)، والدراسة التي تابعت قرابة 7000 لاعب سابق وجدت في المقابل أن معدلات وفيات هؤلاء اللاعبين كانت أقل، نتيجة الأمراض غير العصبية، مثل أمراض القلب وسرطان الرئة، وعلى الرغم من أن الدراسة لم تتعرف على عوامل الخطر المرتبطة بهذه النتائج بشكل مباشر، لكن الباحثين أشاروا إلى أن تكرار صدمات الرأس والإصابات الخفيفة في الدماغ قد يعد عامل الخطورة الأول في هذه النتائج.
* ما العمل !؟
هل نتوقف عن ممارسة الرياضة !؟ بالطبع لا، ففوائد هذه ممارسة الرياضة ثابتة كما ذكرنا، وإذا كنت ستمارس الرياضة من أجل هذه الفوائد، ومن أجل الاستمتاع فلا تتوقف، أما إذا كنت ستمارسها أو ستجعل أبناءك يمارسونها بشكل احترافي، ففكر جيداً في الرياضة المناسبة لك أو لهم، وكن حريصا دائماً على وجود إشراف ومتابعة طبية دائمة حتى تضمن ممارسة هذه الرياضة بشكل سليم يحقق الفائدة ويتجنب الأضرار قدر المستطاع.