قال الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، ميغيل أنخيل موراتينوس، إن “إفريقيا الفرنسيّة انتهت بلا رجعة، والجمهورية يجب أن تتوقف عن ممارساتها في هذه القارة”، مضيفا “لقد ولى زمن الاستعمار ولا يمكن فرض وصاية أو إملاءات على بلدان جنوب الصحراء، فرنسا تنتهي في إفريقيا، والمسؤولية تقع على الشعوب التي تقطن هذه القارة اليوم”.
وأفاد الدبلوماسي والسياسي الإسباني، متحدثا من مدينة أصيلة على هامش افتتاح موسم أصيلة الدولي الـ44، أن “البلدان الإفريقيّة لا بد أن تراجع نفسها في هذه الفترة، وأن تعيد بناء العديد من مواقفها لتتحرر”، مشيرا إلى أن “بلدان الصحراء الكبرى من الضروري أن تنخرط في العصر الحديث وتستدمج المبادرات الكونية مثل العدالة والمساواة والقيم التي تكفل العيش المشترك”.
وأكد وزير الخارجية في حكومة خوسيه لويس ثباتيرو، خلال كلمته في الندوة الافتتاحية التي كانت بعنوان “الصحراء الكبرى.. من الحاجز إلى المحور”، أن “الغرب يجب أن يدعم هذا التوجه في إفريقيا، وليس شيئا آخر”، محملا “جزءا كبيرا من مسؤولية ما آل إليه الوضع المأساوي في الصحراء الكبرى إلى الدول الغربية، وتحديدا الأوروبية، التي قسمت هذه القارة من برلين، أقصد “مؤتمر برلين” سنة 1884، الذي لم يكن في إفريقيا ولم يكن في تشاد أو مالي أو النيجر، بل كان في برلين”.
وسجل أن “هذا “المؤتمر الأوروبي” وضع خريطة لقارة أخرى: إفريقيا، وقام بتسطير حدود تنسجم مع الأطماع الاقتصاديّة والطموحات الجيوسياسية للدول الاستعمارية”.
وأضاف في سياق آخر “عندما نرى الخارطة اليوم ونعاين ما الذي يحدث في هذه الرقعة الجغرافية يتولد لدينا شعور متشائم، هناك تفكيك وتشرذم وآلام ومعاناة السكان من الحروب والكوارث”.
وتابع قائلا: “أتأمل هذا الوضع، وأقول دائما لنفسي إنه يجب أن نوحد الطاقات والجهود لأجل إعادة بناء الصحراء الكبرى”، لافتا إلى أن أواصر العلاقة التي لديه مع الصحراء “تشكلت على هامش زيارة قديمة لمناطق تاريخية بموريطانيا، تمثّل جزءا من النقط التي مرت منها القوافل التجارية سابقا، خصوصا المحمّلة بالذهب والملح خلال قرون عديدة، تقريبا منذ القرن العاشر، والتي كانت تصل حتى مايوركا”.
وقال الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، الذي يشارك بثقل في الدورة الخريفية لموسم أصيلة: “حينها فهمت عمق مسألة الصحراء، وانطلاقا من ذلك صرت أفكر مليا في مداخلتي اليوم”، إذ “طفقت الأسئلة تتناسل، كيف تغير الوضع هكذا في غضون عشرة قرون بعدما كانت هناك صحراء بدون حدود وتجارة حيوية والسلع تعبر بحرية، وكانت هناك أفكار وعادات وقيم لا تتوقف إلا في أوروبا، وكانت هناك حوارات واتصال بين الحضارات؟”.
ولم يكن الديبلوماسي الإسباني رحيماً ببلدان قارته، مؤكدا أن ضلوعها في مشاكل إفريقيا أدى إلى “تقسيم وشرذمة الصحراء”، وأبرز أن “هذا التشرذم من مسؤولية البلدان الاستعمارية، وبعد نشوء الدول الوطنية بهذه المناطق وتغير العديد من الظروف صار من الصعب بمكان أن تنمحي الحدود، لكن ما الذي نستطيع القيام به لأجل هذه المناطق؟”.
وتابع قائلا: “مبدئيا، أنا خبير في العلاقات الدولية، لكن ما الذي علينا فعله إذن؟ فهذه الصحراء تعاني تحديات أمنية وتحتاج إلى تنمية اقتصاديّة واجتماعية وبنيات تحتية دون إغفال الشق الثقافي”، منبها إلى أن هذه البلدان دائما ما تهمش الثقافيّ، رغم أنه من المداخل المهمة لخلق خطاب سياسي جديد بالمنطقة”، وأشار إلى أن “إعادة الصحراء إلى بريقها وصخبها القديم يتم برهانات على الجانب الثقافي”.
وسجل أن “الصحراء ذاكرة، ويجب أن تكون هناك نهضة إفريقية حقيقية”، مشيرا إلى أنه “في ظل هذا العالم المعقد ينبغي أن نقطع مع كل المواقف والممارسات التي أفرزت لنا هذا الوضع، وبالتالي حلّ مشكل المنطقة”، و”الأمم المتحدة لديها مسؤوليات يجب أن تضطلع بها في هذا الصدد، خصوصا التواجد بعين المكان لأجل دعم فرص استتباب الأمن والاستقرار التي صارت موضوع مساءلة”.
وضرب موراتينوس المثل بالصين وإعادتها إحياء “طريق الحرير”، معتبرا ذلك “فرصة لكي نقوم بالأمر نفسه، نحن الأوروبيين والأفارقة، نحن الذين كانت لدينا الصحراء الكبرى كطريق للذهب الملح وغيرها”. وختم قائلا: “المغرب وإسبانيا يمكنهما القيام بذلك، وأستغل الفرصة لأنوه بقبول الملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، فهذه الفرصة يجب اغتنامها لتعزيز الأواصر الثقافية بين البلدان خدمة للأجيال المقبلة وآفاقها”.