حينما اعتبر جلالة الاهتمام بالقطاع الصحي ضمن أولوياته السامية الذي يغطيها برعايته السامية، حيث قال جلالته “العناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة”، فإن هذا التأكيد صريح على الحق في العناية الصحية، المقرون بالمسؤولية المفتقدة على صعيد المركز الاستشفائي الجامعي بفاس، حيث الإهمال وترك المرضى تحت رحمة الألم في انتظار الطبيب المختص في الجهاز الهضمي الغائب، وبالتالي معارضة كل التوجيهات الرسمية للدولة الحاثة على المسؤولية، باعتبارها عنوان الانتماء للوطن أولا، وللإنسانية ثانيا اعتبارا لسمو المهنة وقيمها الإنسانية العالية.
فحينما ركز جلالة الملك في
جاء في خطاب جلالته السامي الذي وجهه للأمة بمناسبة بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لعيد العرش المجيد، إن “العناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة؛ لا سيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد 19”.
فجلالته أعزه الله أعطى برهان وحكم الطبيب والأب الروحي للأمة، وجعل هذا السلوك منهاجا للتدبير الصحي الذي يجب أن يكون، وهو المفتقد في المركز الاستشفائي بفاس، حيث الإهمال هو السيد، واللامسؤولية من قبل طبيب الجهاز الهضمي هي المنهاج، والمواطن الذي يموت في صمت هو الضحية، وهو ما رصدته كاميرا “أصوات” من عين المكان وعاشت تفاصيله، بل أنه حتى الرقابة الإدارية المفترض توفرها معدومة، فلمن يلجأ المواطن في هاته الحالة.
يوم كامل من الانتظار عاشته “زهرة لمسيح” في المستشفى الجامعي بفاس بوجه شاحب متعب من الألم، ومعلق على أمل مفقود تراه في كل خطوة تقترب، لتذهب الأماني سرابا وتتبخر، وتعود للألم ولكنه مضاعف هاته المرة.
وبين هذا وذاك حركة بلا عنوان تتحرك في فضاء مملوء بصرخات وأنين يعج به المكان، وبين هاته الخطوات جيئة ورواحا، تتعالى في فضاء المخيلة الخرجات الإعلامية التي تتغنى ب”الصحة للجميع والقرب والعناية” وهلم هذرا للغة ما دامت مجانية ول يؤدى عنها ضرائب، وما دامت الرقابة الإدارية معدومة، ليصبح طبيب الجهاز الهضمي إمبراطور زمانه يتضرع ابتهالا لحضوره المكلومون والمعلولون بالداء والمقتولون قبل مجيء أوان اللقاء برب العالمين، في فسيفاء الثعلب والأسد، المكر في التعاطي مع آلام الناس بتركهم لقدرهم المحتوم، بل أن النداء الذي يحمله ذوو الأسر هو على أقل تقدير تركهم يحملون ألمهم ومريضتهم “زهرة” خارج عنبر الانتظار القاتل، ليواجهوا بالرفض، من قبل متدربات على ممارسة مهنة الطب لا يعرفن أن الإلتزام قوة متبادلة، فمن يطلب التزام إخراج المريضة / الألم، كان عليه أن يأخذ إقرارا من طبيب الجهاز الهضمي بأداء دوره الوطني والإنساني، والأسد إن قمت بالاحتجاج آنذاك سيتحرك الجميع للبكاء بتعرضهم للإهانة والإدلال أثناء أدائهم لمهامهم، وعن أي مهام يتحدثون، لك أن تكمل تفاصيل ما يمكن أن يقع لاحقا، حيث يصبح الضحية هو الجلاد، والجلاد هو الضحية
مستشفى جامعي سجلت فيه خلال يوم واحد حسب بعض المرضى التابعين في ديار عبس، طبيب الجهاز الهضمي 4 حالات وفاة، تتعدد الوصفات ولكن الحقيقة التي استقيناها من عين المكان لا يمكنها أن تصل إلى وصف وضع التدني القائم وما يلف المشهد من غياب تام للمسؤولية الصحية من قبل هذا الطبيب، ولا من قبل المسؤولين عن إدارة المركز الاستشفائي الجامعي بفاس، النائمون عن متابعة ما يجري وما يدور في ردهاته من تسيب ولا مسؤولية قاتلة.
أن تجمع الملف وتنتظر من يأتي ليوقع عليه يوما كاملا وأنت في حالة مرض سريري بلا مأكل ولا مشرب لهو “الصراط قبل أوان الصراط” كما قال الشاعر المغربي “عبد الله زريقة”، هو حكم بمنحك شهادة الوفاة قبل حلول الموعد، بانتظار تأشيرة المتابعة أو الخروج من المستشفى الغائب، ولكن ليوقع طبيب الجهاز الهضمي على مظروف معنون ب “رحمه الله”.
هكذا إذن يدار الشأن الصحي في المركز الاستشفائي الجامعي بفاس الذي من المفروض أن يكون نموذجا لصحة المستقبل باعتباره يدرس طلاب الطب على قيم المواطنة وإدارة العلاقات الإنسانية مع المرضى وذويهم قبل العلاج أو وصف الدواء.
وإذ حث جلالة الملك نصره الله وأيدة في 08 أبريل من سنة 2019 في رسالة وجهها إلى المشاركين في الاحتفال الرسمي باليوم العالمي للصحة على ارتكاز الـرعـايـة الصحيـة الأوليـة، عـلى الالتـزام بـالعـدالـة الاجتمـاعيـة، والمسـاواة فـي الـولـوج إلـى الخـدمـات الصحيـة، وعـلى الاعتـراف بـالحـق الأسـاسـي فـي التمتـع بـأعلـى مستـوى ممكـن مـن الصحـة، كمـا ورد فـي المـادة 25 مـن الإعـلان العـالمـي لحقـوق الإنسـان، ونـص عـلى ذلـك دستـور المنظمـة العـالميـة للصحـة الصـادر فـي 1948.
فإن هاته المعايير مغيبة قسريا في المركز الاستشفائي الجامعي بفاس الذي يبقى في غرفة الإنعاش حتى يتم التأشير على عافيته من قبل الوزارة الوصية والمديرية الجهوية للصحة والمديرية الإقليمية للصحة والمسؤول عن إدارة هذا الجسم الصحي الهام ببلادنا، ولتبقى مسؤولية كل مكونات المجتمع المدني الانخراط في معركة إصلاح منظومة الصحة جذريا، والمدخل بالعنصر البشري، وتعرية هاته الشوائب المرضية التي تلوث الصحة وتضع صحة المواطن موضع مقايضة حية، ولعبا بأهم جسم مجتمعي أجمع العالم على أولويته بعد الانتكاسة الصحية الكبرى التي عراها فيروس كورونا، مقوضا بذلك زمن الوهم، وهو ما وعى به جلالته جاعلا الاهتمام بالصحة مركز الأولوية في مخططات المؤسسات، لكن يبقى الفساد أخطر عنصر ممكن أن يذمر كفة الصروح ولو توفرت لها أحدث الأجهزة الصحية والمعقمات.