انتهى معرض الكتاب، وشد الناشرون الرحال إلى بلدانهم ومدنهم، وانتشى الوزير بالانتصار على الجميع، على الثقافة والمثقفين عبر تهريب معرض الكتاب تحت عناوين غير حقيقية ومبررات غير منطقية، وظهر الوزير مبتهجا بكثرة الزيارات التي قام بها مسؤولون لـ سعادته ، وكأن المعرض مجرد فرصة لالتقاط الصور، مثلما يفعل مراهقون ولجوا للتو مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الخسارة أكبر حتى مما يخطر على بال من يغار على الثقافة والمثقفين.
ربح الوزير وحده بتحدي الجميع، وتهريب معرض الكتاب من مكانه الطبيعي والتاريخي، حيث لم يعد مجرد فرصة أو سوقا لعرض الكتب وبيعها ولكنه موعد ثقافي يُعرف به المغرب، لكنه موعد مع مدينة اسمها الدار البيضاء، التي أنجبت عشرات بل مئات المثقفين والفنانين والكتاب والروائيين والشعراء، ومن اختارها أول مرة لتكون موطنا لمعرض الكتاب الدولي لم يكن عابثا أو منتصرا لنعرة صغيرة، ولكن كان يبحث عن موقع سيصبح في المستقبل محجا ومنارة.
بمبرر أن الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية تم تهريب المعرض الدولي للكتاب. لكن الوزير لم يقنعنا بهذا الفعل، لأن كثيرا من المعالم الثقافية في عدد من المدن كان ينبغي نقلها تحت هذا العنوان. المنطق كان يفرض أن يبقى المعرض الدولي للكتاب حيث كان ولا يصبح المعرض الدولي للكتاب الذي كان ، وقد كان بمدينة كبيرة يحج إليها الجميع أكثر من غيرها، والأرقام دالة على ذلك، ولا مجال للمقارنة بين عدد زوار المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء والمعرض الدولي المُهرّب بالرباط الذي بالكاد وصل إلى 200 ألف زائر مقابل أكثر من نصف مليون زائر بالدارالبيضاء.
وكان يفرض المنطق أيضا، بما أن الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية، إقامة معرض دولي للكتاب بهذه المناسبة وبمواصفات أخرى، وما المانع من إقامة عشرات المعارض ترويجا للكتاب، الذي أصبح في بلادنا عملة نادرة، وبالتالي نكون قد ربحنا مرتين، أولا الحفاظ على معلمة اسمها معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب، وثانيا إتاحة فرصة أخرى للناشرين لعرض منتوجاتهم الجديدة بالرباط.
لكن أن يكون المعرض قريبا من مقر عمل الوزير وسكناه حتى لا ينتقل يوميا إلى الدار البيضاء يعتبر بالنسبة إليه مكسبا، بينما خسارة الثقافة المغربية من عملية التهريب كانت كبيرة، لن نكتشف عمقها إلا عندما نكتشف أن معرض الدار البيضاء لن يبقى كما كان، مثلما حدث للغراب لما أراد تقليد مشية الحمامة، فلا نحن نظمنا معرضا بالمستوى المنتظر وبالمستوى الذي يليق بالرباط، عاصمة المملكة المغربية، ولا نحن حافظنا على معرض الدار البيضاء، حتى يبقى الوزير على مزاجه.
بعض الناشرين العرب والأجانب هم من ابتهج بهذا الموضوع، ليس بسبب تهريب المعرض ولكن لأنه تم إعفاؤهم من أداء الرسوم، لكن الباقي عبّر عن استيائه من هذه العملية، التي لم تكن في مستوى حماية عنوان ثقافي كبير، ويبدو أن الوزير، البعيد عن جو الثقافة، ليس له دراية بما يعنيه العنوان الثقافي.