في الأيام الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، اطلعت المصورة البريطانية بولي برادين على ما يحدث من خلال التغطية التلفزيونية والصحف. وأدركت حينها العلاقة بين ما كانت تشهده ومهنتها الخاصة.
وقالت في مقابلة مع CNN عن مشروعها الذي حمل عنوان “Hold the Baby’، 2022” إن عملها تمحور حول الأمهات الوحيدات. وأضافت: “عندما رأيت هؤلاء النساء يغادرن أوكرانيا، فكرت في كل ما سيتعين عليهنّ القيام به لدعم الأطفال وكبار السن الذين يرافقنهنّ”.
بعد أسابيع من نشر هذه التقارير الصحفية المصوّرة الأوّلية، سافرت برادين إلى مولدوفا التي تتشارك الحدود مع أوكرانيا، بغية العمل على سلسلة جديدة من الصور. وشرحت أنه “كان من المهم توثيق ما سيحدث مع هؤلاء النساء. إذ كان يتعيّن عليهنّ العثور على سكن، وتعليم، ووظائف لبناء حياة جديدة”.
وتابعت: “هذا يعني أيضًا أنهنّ أصبحن فجأة لاجئات، ربما كنّ مدرّسات، أو محاميات، أو شخصيات مهمة، في مجتمعهن، فكيف سيبدو ذلك بالنسبة لهنّ”؟
وفي نهاية المطاف، أصبح المشروع معرضًا حمل عنوان “مغادرة أوكرانيا”، يُنظم حاليًا في متحف فاوندلينغ، بالعاصمة البريطانية لندن.
وأشارت إلى أنه “من المهم أن يكون لدينا صورًا لخط المواجهة وما يحدث داخل أوكرانيا، لكن من المهم أيضًا فهم الدور الذي تلعبه المرأة في الحرب، خصوصًا هذه الحرب، حيث تخلت المرأة عن مكانتها في بلدها”، وعكست برادين المقاربة التقليدية القائمة على النوع الاجتماعي لتوثيق الصراع، قائلة: “إنهن يحمين الجيل التالي في أوكرانيا”.
تمتد سلسلة مشروع “مغادرة أوكرانيا” على فترة عامين، حيث التُقطت أحدث صورة في أوائل مارس/ آذار 2024، وتتميز بمزيج من التصوير الفوتوغرافي الثابت والصور المتحركة، تتبعت برادين من خلالها عن كثب، قصص ست نساء التقت بهنّ عندما سافرت إلى مولدوفا، وهن: خريجة الحقوق لينا، الأم الحامل آنيا، وصديقات المدرسة صوفيا، وأليسيا، ويوليا، ونارين اللواتي غادرن أوكرانيا مع أطفالهنّ، وصديقة مقربة.
كانت برادين تعي النطاق الأوسع للعمل، واعتبرت أن “مغادرة أوكرانيا” ليست مجرد تصوير لهؤلاء النساء الست وعائلاتهن، إنما أيضًا انعكاس للبلدان التي انتهى بهنّ الأمر فيها، والتي تشمل إيطاليا، وبولندا، والمملكة المتحدة.
وقالت المصورة البريطانية: “اعتقدت أنني سأقابل أشخاصًا في بلد ما ثم أتبعهن لمعاينة كيفية بناء حياتهن هناك، لكن لم تحط أي امرأة التقيت بها رحالها في بلد ما حيث وجدت عملًا ونجحت في ذلك”، موضحة: “لقد اضطررن إلى الانتقال لأنهنّ لا يستطعن العثور على عمل، أو لا يوجد سكن لهن، أو لأنهن لا يستطعن إيصال أطفالهن إلى المدرسة، أو وصلن إلى الريف في بلد لم يذهبن إليه من قبل”.
وتصف برادين المشروع بأنه تعاوني بالكامل، حيث تشرح بالتفصيل عملها الوثيق مع النساء لبناء صورة حميمة عن واقعهن الجديد (تصوير آنيا، على سبيل المثال، بعد ساعات قليلة من ولادتها).
وكانت العديد من الصور عبارة عن دراسات لطيفة للحظات خاصة، تم التقاطها في المنازل، والأماكن الاجتماعية، وفي وسائل النقل العام.
وأكدّت برادين “لقد كنّ يروين قصتهنّ حقًا، وأنا كنت أحمل كاميرا فقط”.
انتقلت لينا منذ ذلك الحين، والتقت بشريكها وأنجبت طفلاً، وتدرك برادين كيف أثرّت الحرب على مسار حياتها.
وفي مكان آخر، استمتعت المصورة، بالعمل مع ثلاث طالبات، إذ وقالت: “الجزء الأكثر روعة في متابعة الشباب، مثل صوفيا، وأليسيا، ويوليا، يتمثّل بأنهنّ متفائلات ومقبلات على الحياة، وترغبن بالحب وكل الأمور الطبيعية التي يريدها الشباب”.
في البداية، تصورت برادين أنها ستكون قادرة على العودة إلى أوكرانيا مع بعض النساء، لكن مع دخول الحرب الآن عامها الثالث، ما زال الأمر غير ممكن. وفي النهاية قرّرت أن سلسلة الصور دور حول بناء حياة بعيدًا عن المنزل، وإيجاد مسارات جديدة في أوروبا.
وبالمثل، فإن التزامها تجاه مجموعة صغيرة فقط من العائلات، بالتوازي مع مقاربتها طويلة الأمد، سمح لها بتسخير قوة أكبر في سرد القصص، إذ أكدّت: “إذا لم ننظر إلى القصص الفردية، فسيتم وضع السياسات الكبيرة من دون فهم التفاصيل”.