مشروع معيرة اللغة الأمازيغية يضع حصيلة “المعهد الملكي” في مفترق طرق

مجلةأصوات

مرّ عقدان ونيف على تبني المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مشروع إعداد “اللغة الأمازيغية المعيار”، التي تبتغي “معيرة” وتقعيد “تمازيغت” وجعلها لغة موحدة؛ بيد أن الجدال بشأن هذا التصور لم ينته منذ بداياته الجنينية مطلع الألفية، وظلّ الكلام بين “إيركام ـ IRCAM” الذي يرعى “المهمّة” داخل مركز التّهيئة اللغوية، وبين فعاليات أمازيغية تخشى “قتل اللهجات المحلية” (ظلّ) يشبه “حواراً بلا أيّ أفق معياري”.

 

 

 

هسبريس تعيد هذا الملف إلى واجهة النقاش العمومي، خصوصاً في ظل “بعض الزّخم” الذي تعيشه الثّقافة الأمازيغيّة وحضورها بصريّا في الفضاء العمومي المغربي. غير أن مسألة المعيرة التي يتمسّك بها “معهد الأمازيغيّة” انطلاقاً من “أسس علميّة ترفع الأمازيغيّة للمكانة الدستورية التي تستحقها”، تعتبرها جهات أخرى “صناعة للغة مخزنية”، أو “بناء أسطوريا لقومية أمازيغية جديدة تفصل اللغة عن بطونها المنتفخة باللهجات/اللكنات/التنويعات الموجودة والمتداولة”.

 

 

 

وبما أن المداخلات لم تقارب الموضوع من “المنطلق نفسه” رغم وحدته، كان ضروريّا أن نخصص ضمن الملف حيزاً لكلّ متدخل. نبدأ مع أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي تطرقت هسبريس للموضوع في حوار معه، وبعدها نقدم آراء تقيّم حصيلة “المعيرة” وتنبع من تصور مازال رافضاً لتوجه “إيركام”: السوسيولوجي إدريس آيت لحو، والباحث في التاريخ مصطفى القادري، لنقفل النقاش بردود أحمد عصيد، الباحث بالمعهد المذكور.

 

 

 

بوكوس: مرحلة ضرورية

أثناء التحاور معه، لم تفوت هسبريس استفسار أحمد بوكوس عن النقاش الذي مازال حادّا ومحتدماً داخل الأوساط الأمازيغية بخصوص مدى إمعان ما يُنعت بـ”اللغة المختبرية”، التي يُتهم “إيركام” بأنه أثقل الأمازيغية بها، في استئصال ما تبقى من هذه اللغة، فاعتبر العميد أن “المشروع نجح والمعهد في المسار الصحيح”، مشددا على أن “مرحلة العمل الأكاديمي والبحث أساسيّة، لكن ليس بمعزل عن المحيط المجتمعي الذي هو المحيط الطبيعي لنمو اللغة وانتعاشها”.

 

 

 

ونفى بوكوس بشكل قطعيّ أن يؤدي مشروع خلق لغة موحدة للتدريس والإعلام، وغيرهما، إلى تهميش اللهجات المحلية أو إلى نكوص أو انقراض بعض التعبيرات الثقافية، وقال: “من وجهة نظرنا في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فإن هذه المرحلة ضرورية ولا غنى عنها إذا أردنا أن تؤدي لغتنا وظائفها كلغة رسمية، وأن تلج إلى المدرسة والجامعة وتكون حاملة للأدب شعرا ونثرا… ليس هناك أيّ تناقض في ما نقوم به”.

 

 

 

وتابع شارحاً: “لا نتردّد في القول إننا في الطريق الصحيح، لأن تقعيد اللغة الأمازيغيّة وإغناءها بالدراسات والبحوث الميدانية أمر عادي وضروري، لأنه سيحدّ من ظاهرة التغيرات اللغوية اللهجية”. وزاد: “لهذا، ومنذ مدة غير يسيرة، نسعى إلى إيجاد لغة مُمعيرة مشتركة بين الأمازيغ، وهي هذه اللغة الأمازيغية المعيار. وفي تصورنا القائم على أسس علمية، فإن هذه اللغة هي التي ستوحد مختلف اللهجات. ولا يمكن أن نعتبرها عاملا يقف وراء اندثارها”.

 

 

 

وبدون الدخول في أي تجديف ضد الفعاليات الأمازيغية التي لم تقتنع قطّ بهذا المشروع، واصل عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قائلا: “اللغة التي تتم تهيئتها تغتني من اللهجات أساساً، لا من حيث المعجم ولا من حيث الصرف، وحتى على المستوى الخطابي كذلك. اللغة المعيار التي نشتغل عليها لها وظائفها الخاصة بها، واللهجات المحلية والجهوية لها بدورها وظائفها”.

 

 

 

وعلى سبيل التوضيح، قال المتحدث: “الطفل حين يولد لن يتكلم في وسطه العائلي هذه اللغة المعيار، كما هو الأمر بالنسبة للغة العربية. لغة الحديث اليومي والتنشئة تتم عبر اللغة الأم، وليس أي شيء آخر. لذلك، اللهجات من جهة واللغة المعيار من جهة أخرى وجهان لعملة واحدة. ولكن ما يهمنا هو أن نأخذ بهذه العملة في كليتها”.

 

 

 

 

وقال خاتما: “يعني ليس جزءا على حساب جزء آخر. والمرحلة تقتضي هذا الاشتغال لأجل تقعيد ومعيرة الأمازيغية، علما أن اللهجات ستحتفظ بدورها في التنشئة، مثلما لها دورها كذلك في إنتاج الآداب والثقافة اللامادية المنتعشة في الحياة اليومية، ونحن نعتبرها مكمّلا لما ننتجه عبر اللغة المعيار وعبر الكتابة”.

 

 

 

 

القادري: انتقاء اعتباطي

مصطفى القادري، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال: “انطلاقاً من الاطلاع على تاريخ اللغات وتاريخ تقعيدها، تبدو اللغة الأمازيغية تنتصب كلغة متميّزة بطابعها الحيوي؛ هي لغة حيّة وطبيعية وتتمتّع بقواعد طبيعيّة”، موضحاً: “يعني ما يقوله الناس، وما يجب أن يكتبه الناس كما ينطقون بدون تعقيدات اللغات الأخرى”.

 

 

 

 

وأضاف القادري وهو يجيب عن أسئلة هسبريس أن “إسقاط مناهج اللغة الفرنسية أو مناهج اللغة العربية على الأمازيغية، يعدّ خطأ جسيما وفادحا، لأن اللغتين في الأصل ليستا حيّتين، وإنما جرت فبركتهما من طرف متخصصين وأكاديميات، ولهذا كانتا تحتاجان إلى قواميس ومعاجم”، مبينا أن “اللغة الحية لا تحتاج إلى قواميس من هذا النوع”.

 

 

 

 

وتطرق الأستاذ الجامعي إلى نقطة يعتبرها “محورية” في هذا النقاش، هي “اعتباطية وعشوائية انتقاء مفردات من لكنات محلية لتكون معياراً”، وقال: “مهما كان المنطق الذي يتحكم في اختيار كلمة دون أخرى، فإنه يبقى في النهاية غير منطقي، لأن كل منطق يعتبر نفسه منطقيا، ومن ثمّ، اختيار كلمة دون أخرى هو اعتباطي رغم منطقيته الظاهرية”.

 

 

 

 

وأورد أن غنى “تمازيغت” يكمن في اللكنات، التي هي بمثابة بطاقة تعريف وطنية لكل أمازيغي، والحفاظ عليها واجب وطني.

 

 

 

 

وواصل المتحدث تفكيك “البناء التخييلي والإيديولوجي”، الذي يحكم فكرة “المعيرة”، بالدعوة إلى عدم إهمال “الواقع اللغوي”، الذي تفرضه اللكنات المحلية، ودعم القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها كاتب يدون بلكنته المحلية، وهو ما سيعطينا معلومات عن الجغرافيا وعن المخيال الثقافي المرتبط بما يكتبه، وبالتالي إن بدأ يكتب بلغة منمقة ومصوبة ومطبوخة من طرف جهة أكاديمية، فهذا لا يعطي العمق الثقافي للكلمات التي يختارها.

 

 

 

ورفض صاحب كتاب “وطنية باحتقار الذات”، أن يتم “فرض لغة معينة أو كلمات معينة على التلاميذ أو وضعها للسكان قصد استعمالها”، معللا هذا الرفض بضرورة “الحفاظ على لغة الأم في التدريس؛ فالطفل يجب أن يتكلم كما يتكلم مع والدته ليفهم الهدف من الدروس، ويستطيع النجاح في المدرسة”، وأضاف: “اللغة الحية يتعلمها الإنسان بأذنيه ولا يحتاج إلى المدرسة، أي بالسماع كما فعل أجدادنا في المناطق المختلطة بين الناطقين بالدارجة والناطقين بالأمازيغية، فكبار السن في الأسواق يتواصلون فيما بينهم بلغتين ويتفاهمون”.

 

 

 

 

 

 

وتفاعلاً مع سؤال هسبريس “هل تعتبر أن المعيرة لم تقدم شيئا بعد تبني الطرح رسميا منذ أزيد من 20 سنة؟”، رد المتحدث بأنه “إذا أردنا أن ننظر للأمر من هذه الزاوية، فعلينا أن نستدعي التدريس”، مبينا أنه انطلاقا من تجربة بعض الأساتذة المتخصصين في تدريس الأمازيغية، هناك الكثير من الملاحظات بخصوص اختيار هذه المفردة من الشمال أو من الجنوب ووضعها للتلميذ؛ “فالهدف أن يتعلم التلميذ لغة أخرى، وليس أن نفرض عليه كلمة ونقول هذا هو الأصل أو هذا هو الصح. فهذا تحقير للغة التي تكمن حيويتها في تعدد المرادفات”.

آيت لحو: مشروع إيديولوجي

إدريس آيت لحو، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة القاضي عياض بمراكش، انطلق في التعبير عن وجهة نظره من اعتبار أن “الوحدة اللغوية هي أسطورة ومشروع إيديولوجي”، مسجلا أن “الوقوف على الجهة النقيض مع هذه اللغة المفبركة يحتاج أن نتحدث عن وجود هاجس يخص تدبير التراب الوطني المغربي منذ نهاية التسعينات وبداية القرن الـ21، وهو ما تمت الاستجابة له في دستور 2011: الجهوية المتقدمة أو الجهوية الموسعة، رغم الفرق بينهما”.

واعتبر آيت لحو أن “هذه الجهوية في المغرب هي حل لكل مشاكل المغاربة، لكونها ملازمة لقيمتين حضارتين، ثقافتين، حداثيتين متقدمين جدا: التعدد والتنوع”، مؤكدا في الصدد ذاته أن “دسترة الأمازيغية ترجع بالأساس إلى ترسيمها وإلى منحها وربطها بمجالات ترابية محددة”، وزاد: “هذا يكشف لنا من جهة أخرى أن الزمن لا يرحم، وقافلته تسير لا محالة، ومن ثم لا يمكن القبول بحبس الأمازيغية في قوالب تنتج عن أساطير التوحيد والمعيرة”.

 

 

 

 

وتابع المتحدث إفاداته لهسبريس قائلا: “أنا أعتبر أن الأمازيغية من هذا المنطلق ستبتعد كثقافة، وكممارسة، وكهوية عن الواقعية وعن البراغماتية السياسية. وبذلك، ستجعل الإنسان أو المواطن المغربي يبتعد عن الاستدامة وعن روح المسؤولية”.

 

 

 

واعتبر الشروع في بلورة لغة أمازيغية واحدة موحدة معيارية بالمغرب بمثابة “تيه، وفقدان للمعنى في حد ذاته. هناك عدة تنويعات لسنية لغوية أمازيغية واقعية. وسيكون من سبيل المغالطة أن نجعل الأمازيغية تنتحر داخل غيتو محدود باسم لغة أمازيغية يقال إنها معيارية أو وطنية”.

 

 

 

وبعدما شدد على أن مشروع المعيرة “فشل”، دعا السوسيولوجي المغربي إلى “اعتماد اللغة الأمازيغية كعبارة عن لغات جهوية رسمية مغربية، يرجع أمر الحسم في عددها وفي حدودها البيجهوية إلى لجان متخصصة في ذلك من لسانيين وسوسيولوجيين وسياسيين وأوراش مؤسساتية ديمقراطية وتشاركية نابعة من البيئات نفسها التي هي معنية بهذه الأمور، وليس من لجنة معينة أو من مركز معين أو معهد معين في العاصمة الرباط خلق من أجل أغراض نبيلة وفق ما جاء في ظهير أجدير، وكشفت الممارسة منذ 2005 عن أشياء أخرى”.

 

 

 

 

ووضّح السوسيولوجي أن “ظهير أجدير 17 أكتوبر 2001، لم يذكر لا المعيرة ولا اللغة ولا التوحيد، بل تطرق إلى الثقافة الأمازيغية، وكان هذا الظهير نقطة تحول مهمة في الاعتراف بالثقافة الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من التراث الوطني المغربي”، مشيرا إلى أن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كانت فلسفته الأصلية هي الاشتغال على الثقافة، وليس اللغة.

 

 

 

 

وعدّ المتحدث مشروع المعيرة “بمثابة خطر قاتل يميتُ تدريجيا اللغات الأخرى أو التنويعات الأخرى على المستوى المغربي مثلاً، على المدى البعيد والمتوسّط، وستكون خريطة مبلقنة لعدد عشوائي من اللهجات”، وأورد هو يقر بتحمله كامل المسؤولية أن “المعيرة بمثابة نزوع نحو هيمنة وسيطرة لغة سوس على اللغة الأمازيغية بكاملها”، وزاد: “التصور واضح للعيان منذ سنوات 2003 و2004 و2005، وحتى في الإعلام صرنا نلاحظ هيمنة لغة بعينها”.

 

 

 

 

عصيد: اشتغال علمي

أحمد عصيد، باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعدما عرضت عليه هسبريس ما تعتبره فعاليات أمازيغية “فشلاً” لمشروع المعيرة، رفض التعبير، مشددا على أننا بصدد “موضوع علمي وتقني دقيق يُطرح عادة في النقاش العمومي بكثير من التسيّب والفوضى بسبب الإسقاطات العاطفية والذاتية للأشخاص، أو بسبب الخلافات الإيديولوجية، هذا دون الحديث عن الذين يقتحمون هذا المجال فقط من أجل تصفية حسابات شخصية مع مؤسسة عمومية”.

 

 

 

 

 

وزاد عصيد في دردشة مع هسبريس: “ما يلاحظُ على حديث الكثير من المغاربة في هذا الموضوع هو أنهم يتحدثون كما لو أننا في المغرب بصدد اختراع العجلة، وكما لو أن اللغة الأمازيغية هي أول لغة في العالم تخضع لعمليات التنميط والتقعيد والمعيرة والتوحيد، بينما الحقيقة أن كل اللغات التي هي اليوم لغات دساتير ومؤسسات كانت في الأصل لهجات وخضعت لمسلسل طويل من العمليّات المشار إليها”.

 

 

 

 

من جانب آخر، أورد الناشط الأمازيغي في ردوده على “المشككين في قيمة المعيرة”، أن “الكثير من الناس لا يعرفون أن هذا المسلسل ليس إرادويا، أي إنه لا يتم لأن الناس أرادوا ذلك، بل هو مسلسل طبيعي لا يمكن تفاديه حتى ولو حاولنا ذلك”، موضحا أن كل لغة تعيش انتقالاً من التنوع اللهجي إلى لغة المؤسسات لا بد أن يتم الاشتغال عليها علميا من طرف أهل الاختصاص من أجل تهيئتها خلال ذلك الانتقال، وعندئذ لا بد أن تطرأ عليها تحولات كثيرة في معجمها ونسقها اللسني، فهذا شيء لا مفر منه”.

 

 

 

 

وأكد الفاعل الأمازيغي أن “هناك اعتقادا آخر يعد بدوره خاطئا، وهو أن بعض المغاربة يرون أن توحيد اللغة يشكل خطرا على اللهجات، وهذا خطأ فادح لأن اللهجات أصلا تعيش في وضعية الخطر، بل إنها مهددة بالانقراض، ولا يمكن إنقاذها إلا بتعليمها ومأسستها، وهذا سيجعلها تتعرّض للعمليات المشار إليها”. وأوضح: “لنقم مثلا بأخذ لهجة من لهجات الأشخاص المعارضين، أي لهجة القرية التي ولد فيها هذا الشخص أو ذاك، فلكي نُدخلها إلى المدرسة لا بدّ من إجراء الكثير من الترميمات عليها”.

 

 

 

هذه الترميمات، حسب عصيد، “تكون على مستوى استعادة المعجم المفقود أو المنسي من طرف مستعمليها، والقيام بإبداع معجمي لإضافة جميع الكلمات التي تفتقر إليها، وأولها المعجم المدرسي، كالقلم، قلم الرصاص، المنجرة، الممحاة، المسطرة… إلخ، إضافة إلى ضرورة استعارة الكثير من الكلمات من اللهجات المجاورة لتلك اللهجة، لأنها أقرب إليها من العربية أو الفرنسية مثلا، مع الحفاظ على نسبة من المعجم الدخيل المستعمل محليا الذي خضع لنوع من الأمزغة في الاستعمال اليومي؛ ثم لا مفر من الاشتغال على الجانب المورفولوجي والنسقي من اللغة عند وضع قواعد النحو والصرف والتركيب”.

 

 

 

 

وزاد: “عندما نكون قد قمنا بكل هذه العلميات سيقول أهل القرية أنفسهم إن تلك اللغة لم يعودوا يفهمونها بسهولة، وهذا أمر طبيعي لأن كل لغة خضعت لعمليات التهيئة لا بد من تعلمها”، معتبرا أن “أسوأ ما يدعيه البعض هو وجود قصدية لدى المعهد لاستهداف لهجة معينة لصالح لهجة أخرى، فهذا كلام غير مسؤول ويدخل ضمن الإشاعة الكاذبة والمغرضة ولا علاقة له بما يتم عمله من الناحية العلمية، فمراكز البحث بالمعهد تضمّ باحثين من مختلف الجهات ناطقين بمختلف اللهجات”.

 

 

 

 

وخلص عصيد إلى أنه “لا يمكن إنقاذ لهجة من اللهجات إلا بتعليمها، ولا يمكن تعليمها بدون تهيئتها، وكل تهيئة هي عملية تحويل للغة سواء في معجمها أو نسقها، وكل عمليات التهيئة اللغوية هي مثل البحر الذي تصبّ فيه الروافد والأنهار، فهي عمليات تؤدي حتما وبشكل لا يمكن تفاديه إلى أن تصُبّ في بناء اللغة الموحدة ولو على أمد طويل، خاصة إذا علمنا بأن الجدع المشترك بين اللهجات الأمازيغية كبير جدا قد يصل إلى 60 في المائة، فإذا أضفنا إليه المعجم الحديث الذي هو أصلا معجم مشترك، حيث لا يمكن إبداع كلمة لكل لهجة، فإننا نصل حتميا إلى أزيد من 90 في المائة من اللغة الموحّدة”.

 

 

 

 

مقاربة شمولية

حسب معطيات توفرت لهسبريس من داخل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فإن المقاربة التي وضعها “إيركام” لتهيئة اللغة الأمازيغية منذ سنة 2002، تتم من خلال أربعة أوراش كبرى: ورش جمع اللغة وتدوينها في المعاجم، ورش تنميط إملائية الحرف، ورش تقعيد اللغة نحوا وصرفا، وورش الإبداع المعجمي الذي يسمى نيولوجيا (Néologie) .

 

 

 

 

 

 

أما تدريس اللغة الأمازيغية، وفق الجهة نفسها، فقد تم إرساؤه بشراكة مع وزارة التربية الوطنية على أربعة مبادئ وتوجهات كبرى هي: الإلزامية، التوحيد، التعميم الأفقي والعمودي، واعتماد حرف تيفيناغ”، موضحة أنه فيما يخصّ توحيد اللغة الأمازيغية، فقد اعتمد المعهد مقاربة تسمى التوحيد التدريجي للغة الأمازيغية (La standardisation progressive de la langue amazighe)، خلافا لما يقوله البعض من أنه عمل عشوائي أو متسرّع، حيث يتم استقبال الطفل وفق التصور الذي أرسته اليونسكو اعتمادا على لغة الأم.

 

 

 

وزاد المصدر المذكور: “يتم استقبال الطفل باللهجة الأصلية، لكن هذه اللهجة مُمعيرة وليست كما يتحدث بها الناس في الأسرة أو السوق، لأنها خضعت لمجموعة من العمليات، لكن وابتداء من السنة الرابعة ابتدائي تشرع المدرسة في إزالة الحواجز بين اللهجات لكي ينفتح التلاميذ على اللغة الأمازيغية ككل، ولكي لا يبقوا منغلقين داخل لهجة ضيقة ومحدودة”.

 

 

 

وأورد أن “هذا يُكذب ما يدعيه بعض الذين يقولون إن توحيد اللغة يهدد اللهجات أو يُقصيها، لأنها على العكس هي المنطلق والأساس، فالمفردات لا يتم تعويض بعضها ببعض، بل العكس يتم تقديمها بوصفها مترادفات”.

 

 

 

 

واعتبر المصدر عينه أن “هذا مثل ما حدث في اللغة العربية تماما، وهو الذي يظهر لغة ما بأنها لغة غنية معجميا. وهكذا تقوم أمازيغية المدرسة بإنقاذ اللهجات وإغنائها بمعجمها الأصلي، وكذلك بالمعجم الحديث وبمعجم اللهجات الأخرى، كما تجعلها أكثر دقة وسلامة في التعبير”، مشيرا إلى أن ما يتحدث به الناس اليوم من لهجات قد تعرض لأضرار كبيرة في الخمسين سنة الأخيرة، حيث تعرّبت اللهجات وتفرنست وفقدت الكثير من معجمها وقواعدها بسبب الإهمال والتهميش والهجرة القروية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.