مذكرة مغربية-إسبانية تعيد مشروع نفق جبل طارق إلى الواجهة

أعلن كلٌّ من المغرب وإسبانيا عن توقيع مذكرة تفاهم جديدة تتعلق بإجراء دراسات زلزالية وجيوديناميكية في مضيق جبل طارق، في إطار إعادة إطلاق التحضيرات التقنية لمشروع الربط القاري الثابت بين ضفتي المتوسط، وهو المشروع الذي ظل مجمّداً لأكثر من أربعين عاماً.

وجرى التوقيع خلال اجتماع رفيع المستوى في مدريد، عُقد ضمن حراك دبلوماسي مكثف أسفر عن إبرام 14 اتفاقية في أقل من ثلاث ساعات، ما أثار انتقادات واسعة داخل صفوف المعارضة الإسبانية التي اعتبرت أن هناك “انعداماً للشفافية” حول مضمون هذه الاتفاقات، خاصة تلك المتعلقة بأحد أضخم المشاريع الجيواستراتيجية بين المغرب وإسبانيا.

وشددت وزارة النقل الإسبانية على الطابع العلمي والتقني للمذكرة، موضحة أنها تروم تعزيز التعاون مع المغرب لفهم السلوك الزلزالي والبنية التكتونية لمنطقة تُعد من الأكثر حساسية عند التقاء الصفائح القارية الإفريقية والأوروبية.

وقد وقّع الاتفاق من الجانب الإسباني المعهد الجغرافي الوطني، بينما مثّل المغرب المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، من دون الكشف عن تفاصيل دقيقة لبنود المذكرة، رغم أهميتها في الدفع بالمشروع نحو مستويات أكثر تقدماً.

وتستهدف المذكرة الجديدة تسهيل تبادل البيانات الزلزالية وإنجاز بحوث علمية مشتركة وتركيب أجهزة قياس متطورة في قاع البحر، وهي تجهيزات بدأت الشركة الإسبانية المكلّفة بالمشروع “سيثيغسا” (SECEGSA) في استئجارها مع إمكانية اقتنائها بهدف تسريع وتيرة الدراسات.

ويعوّل البلدان على هذه المرحلة العلمية لتجاوز أحد أعقد التحديات الجيولوجية التي رافقت المشروع منذ طرحه لأول مرة سنة 1979، والمتعلقة بما يُعرف بـ”عقبة كامارينال”، وهي منطقة تمتد على عمق يناهز 300 متر وتتميز بتعقيد جيولوجي يجعل اختراقها بآلات الحفر مهمة شديدة الصعوبة.

وتشير تقارير تقنية حديثة إلى وجود مقطعين صعبين بطول 2.5 كيلومتر و1.5 كيلومتر كان اختراقهما في الماضي شبه مستحيل، قبل أن تسمح التطورات التكنولوجية الحالية بإمكانية تجاوزه، رغم استمرار التحديات المرتبطة بالكلفة الباهظة التي قد تؤثر على الجدوى الاقتصادية للمشروع.

وقد عاد المشروع إلى واجهة النقاش بعد دراسات أنجزتها شركة ألمانية بطلب من الجانب الإسباني، خلُصت إلى أن بناء النفق البحري بات ممكناً تقنياً، على أن يمتد لمسافة 30 كيلومتراً وبعمق قد يصل إلى 475 متراً تحت مستوى البحر، انطلاقاً من منطقة “بونتا بالوما” في إقليم قادش باتجاه السواحل المغربية.

ويقترح التصور الهندسي المعتمد إنشاء نفق مزدوج للسكك الحديدية على غرار نفق “الأورو تونيل” بين بريطانيا وفرنسا، لتمكين نقل المسافرين والبضائع بسرعة عالية، بما يجعل المنطقة محوراً استراتيجياً للربط بين أوروبا وإفريقيا.

وقدّرت الشركة الإسبانية كلفة الجزء الخاص بها من المشروع بنحو 8.5 مليار يورو، مقارنة بتقديرات سابقة تجاوزت 15 مليار يورو، ما يعكس تحسناً في مؤشرات الجدوى، رغم استمرار النقاش حول آفاق التمويل.

وتتوقع “سيثيغسا” أن تستمر المرحلة التحضيرية، التي تشمل الدراسات والصفقات التقنية، إلى غاية سنة 2030، على أن تبدأ عمليات الحفر التجريبي مباشرة بعدها، تمهيداً لتشغيل النفق سنة 2040، إذا ما تم اتخاذ القرار النهائي بشأن الانطلاق الفعلي للأشغال سنة 2027 كما هو مخطط له.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.