ارتبطت صورة هيث ليدجر في أذهان محبي السينما بشخصية “الجوكر” شرير عالم القصص المصورة الأشهر، وخصم باتمان العنيد، من خلال دوره الأيقوني المتوج بجائزة الأوسكار في فيلم “فارس الظلام” (the dark knight) عام 2008، لكن المفاجأة أن هذا الممثل الأسترالي الراحل كان بإمكانه لعب دور باتمان أيضا.
كيف حدث هذا ولماذا اختار ليدجر أن يلعب دور أمير الجريمة بدلا من لعب دور الرجل الوطواط، هذا ما سنتتبعه معكم في هذا التقرير بمناسبة ذكرى مرور 42 عاما على ميلاده.
لا لأفلام الأبطال الخارقين
صيف عام 2005 أطلقت شركة وارنر بروس فيلما جديدا في عالم باتمان، باسم “باتمان يبدأ” (Batman begins) مركزا على الحكاية الأصلية التي دفعت “بروس وين” الملياردير ورجل الأعمال الكبير إلى التحول لبطل مدينة جوثام وسيف العدالة فيها.
حمل الفيلم -الذي مثل بداية ثلاثية باتمان التي صنعها المخرج الأميركي من أصول بريطانية “كريستوفر نولان”- ملامح جديدة في عالم أفلام الأبطال الخارقين، بحيث أضفى نولان لمسته الواقعية على كل تفاصيل الفيلم، بدءا من السيناريو وصولا إلى مكياج وأزياء الأبطال، ليشعر الجمهور أنهم أمام حكاية جديدة لا تشبه بأي حال أفلام القصص المصورة المعتادة التي يطغى عليها الجانب الخيالي والكاريكاتيري.
قدم نولان في هذا الفيلم بطلا جديدا في دور باتمان، وهو الممثل البريطاني كريستيان بيل، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الممثل الأسترالي (ليدجر) كان قد رفض دور باتمان قبل أن يحصل عليه بيل.
تلك المفاجأة فجرها نولان في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حينما أعلن في أحد لقاءاته في مسرح مدينة نيويورك -وبحسب موقع “ذا بلاي ليست” (the playlist)- أنه قد تواصل مع ليدجر ليعرض عليه لعب دور بروس وين/باتمان في فيلم “باتمان يبدأ” عام 2005.
في تلك الأثناء كان ليدجر يحاول بكل ما أوتي من قوة لإثبات نفسه كممثل جدي، حيث كان منتجو هوليود يحصرونه بشكل كبير في الأدوار الرومانسية والكوميدية، لذلك لم يتأخر رد ليدجر على نولان طويلا حيث أخبره أنه يفضل أن يكمل مشروع فيلم “جبل بروكباك” (brokeback mountain) مع المخرج الكبير “أنج لي” بدلا من التورط في أحد أفلام الأبطال الخارقين.
بالفعل أدى ليدجر دورا مميزا في فيلم “جبل بروكباك” وترشح عن هذا الدور للفوز بجائزة الأوسكار، لكنه تفاجأ أيضا بنجاح كبير لفيلم نولان الذي قدم من خلاله رؤية واقعية إنسانية جديدة لشخصية باتمان.
بعد ثلاث سنوات تواصل نولان وليدجر من جديد، لكن من أجل شخصية الجوكر هذه المرة، ووافق الأخير على الفور، حتى أنه بدأ في التحضير للدور قبل أن ينهي نولان كتابة السيناريو.
لماذا كل هذه الجدية؟
ما صنعه ليدجر في “فارس الظلام” لا يمكننا وصفه إلا بأنه أحد أفضل الأداءات التمثيلية في تاريخ السينما، فقد جمع بين التجسيد النفسي والمظهر المثير الرعب والدوافع التي تبدو وثيقة الصلة بماضي الشخصية، وخرج المشاهدون وهم يحبون الشرير أكثر من حبهم لحامل لواء الخير.
يقول بيل “شعرت أني سأسقط لو لم أسايره” وكان الجميع يتبادلون الحكايات عن طريقة ليدجر في تقمص شخصية الجوكر أوقات التصوير وخارجها، وانعزل الرجل حوالي الشهر في غرفة بأحد الفنادق، قرأ كل ما كتب عن الجوكر وقرر أن يصنع نسخته الخاصة التي استوحى بعض ملامحها من فيلم “كلوك ورك اورانج” (clockwork Orange) للمخرج الأميركي ستانلي كوبريك.
عرض الفيلم نهاية العام، ولمس أداء ليدجر أرواح الجميع، هذا رجل ناقم على مجتمع فاسد وظالم، ولا يجد سبيلا عادلا للخلاص سوي الفوضى. نجح الفيلم جماهيريا ونقديا، وحصل ليدجر على جائزة الأوسكار الوحيدة فئة التمثيل في تاريخ أفلام الأبطال الخارقين، لكنه للأسف لم يكن حاضرا لاستلامها.
بين أحلام مهنية ومعاناة شخصية
صباح يوم 22 يناير/كانون الثاني 2008، وجد المسعفون ليدجر ميتا في منزله بضاحية مانهاتن، وأعلن عن سبب الوفاة عقب ذلك، جرعة زائدة من مضادات الاكتئاب والمنومات والمسكنات المختلفة.
يبدو إذن أن أداء ليدجر الملهم في دور الجوكر كان نابعا بصدق من معاناته الشخصية، وأيضا تعرضه للظلم والفقد والاكتئاب.
يبدو السبب الأهم لتلك المعاناة أن ليدجر كان قد انفصل عن زوجته وحبيبته الممثلة “ميشيل وليامز” قبيل بدئه في تصوير “فارس الظلام”.
لم يفقد ليدجر زوجته فقط في هذا التوقيت، لكنه فقد أيضا ابنته الصغيرة ماتيلدا التي حصلت وليامز على حضانتها كما أمطرته بوابل من الدعوات القضائية التي تطالبه بتعويضات مالية.
جاءت هذه الأزمة الشخصية لتكمل رحلة ليدجر مع المعاناة النفسية، والتي بدأت في شكل نوبات قلق نتيجة الضغط الكبير الذي وضع على كاهله بمجرد انضمامه لمجتمع هوليود، والذي يطالب الممثلين بالتصرف بشكل مفتعل بحيث تتحول حياتهم الشخصية لدور يقومون بتأديته أيضا.
لم يجد مهربا سوى الانغماس في شخصية الجوكر، ولم يجد للأرق ومشاعر الفقد التي تحاصره حلا سوى بالمسكنات ومضادات الاكتئاب، لم يعط لجسده ولا عقله فرصة لقليل من الراحة. حتى رحل عن الدنيا قبل أن يشهد إبداعه في شخصية الجوكر على الشاشة الكبيرة. رحل وبقيت ذكراه في قلوب وعقول محبيه ومحبي الجوكر.