ين كينيا وتونس آلاف الكيلومترات من الناحية الجغرافية، لكن الرئيس المنتخب مؤخرا في كينيا وليام روتو، جعل هذه المسافة الكبيرة التي تفصل بين البلدين تمتد إلى المسؤولية الوطنية في خدمة مصالح الدولة. فإذا كان الرئيس قيس سعيد لم يكتف بضرب مصالح بلاده باستقباله زعيم البوليساريو كأنه رئيس دولة، بل أكثر من ذلك أهان سيادة بلاده ببيع مواقف سياسية مقابل قرض 300 مليون أورو وبعض الشحنات من السكر والزيت، فإن الرئيس الجديد لكينيا جعل مصالح بلاده وسيادتها الوطنية فوق كل الاعتبارات، وسحب اعتراف بلاده بالجمهورية الوهمية وشرع في طرد ممثلي المنظمة الانفصالية.
بين الرئيس الكيني وليام روتو وقيس سعيد اختلاف جوهري في الواقع الديبلوماسي الذي وجد عليه الرئيسان بلديهما. فويليام روتو انتُخب رئيسا لدولة تدور في فلك الجزائر وتعترف بالجمهورية الوهمية. أما قيس سعيد فانتُخب رئيسا لدولة ذات سيادة، لا تدور في فلك الجزائر ولا تعترف بالجمهورية الوهمية وتتبتى الحياد الايجابي.
بعد تعيينه رئيسا جديدا لكينيا، أعلن وليام روتو سحب اعتراف بلاده بالجمهورية الوهمية وأعلن أنه سيشرع في إغلاق تمثيليتها وطرد أعضائها من كينيا. يأتي هذا التصريح بعد لقائه بوزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، الذي سلمه رسالة من العاهل المغربي، وإعلانه خلال هذا اللقاء أن بلاده “تعمل على تسريع العلاقات مع المملكة المغربية في مجالات التجارة والزراعة والصحة والسياحة والطاقة وغيرها من أجل المنفعة المتبادلة لبلدينا” كما جاء في تغريدة للرئيس الكيني الجديد. إنها تغريدة تعكس طموح رئيس يعرف جيدا مصلحة بلاده ويميز بين ديبلوماسية جزائرية تعاملت مع بلده بمنطق شراء المواقف عن طريق توزيع أموال الشعب الجزائري، وبين ديبلوماسية مغربية قائمة على أساس التعاون التنموي والاقتصادي في إطار تعاون جنوب جنوب وفق منظور رابح رابح. والأكيد أن الرئيس الكيني الجديد، يعرف جيدا النجاحات الكبيرة التي عرفتها الشراكات المغربية مع العديد من الدول الإفريقية. فقراره مبني على واقع معاش وشراكات ناجحة بين المملكة المغربية والعديد من الدول الإفريقية.
أما الرئيس قيس سعيد، فقد ابتعد عن مصلحة بلاده ولم يستوعب جيدا أسس الديبلوماسية المغربية التي لا تمس بسيادة الدول، وتقوم على أساس التعاون المشترك يكون فيه الكل رابح. وبدل الاتجاه صوب الديبلوماسية التي تخدم مصالح بلاده كما فعل الرئيس الكيني الجديد، اختار قيس سعيد الطريق الأقصر، فردخ لضغوطات جنيرالات الجزائر وقام باستقبال زعيم الجمهورية الوهمية مقابل دعم مالي هو رشوة أكثر منه دعما. ولم تمض إلا أياما قلائل حتى بدأت تظهر نتائج سقطة قيس سعيد في أحضان الديبلوماسية الجزائرية الريعية، فأصبحت تونس تعاني من نقص حاد في أساسيات الحياة الغذائية كالسكر والزيت وغيرها من المواد. كما أن هجرة التونسيين بفعل هذه الديبلوماسية الجزائرية الريعية، عرف تزايدا كبيرا في ثمانية الأشهر الأخيرة يصل إلى 23% قياسا لنفس الفترة من العام الماضي.
الرئيس الكيني الجديد يدرك جيدا مدى خطورة الديبلوماسية الجزائرية القائمة على الريع والرشوة لشراء المواقف السياسية، ويعرف سلبياتها على اقتصاد بلده الذي اكتوى بريعها في الفترة السابقة. كما يعرف جيدا إيجابيات الديبلوماسية المغربية القائمة على أساس العمل المشترك، ويعرف نجاحاتها في العديد من الدول الافريقية.
فهل سيأتي يوم يستفيق فيه الرئيس التونسي قيس سعيد من سباته، ويختار مصلحة بلاده بالابتعاد عن الديبلوماسية الفاشلة القائمة على الرشوة والريع والابتزاز، ويختار الديبلوماسية الناجحة القائمة على العمل المشترك والبناء الصلب والناجح كما فعل الرئيس الكيني الجديد وليام روتو. لكن الرئيس قيس سعيد، يجب أن يعرف أولا أن اختيار الديبلوماسية المغربية الناجحة، يمر من النظارات التي ينظر المغرب بها لعلاقاته مع البلدان، إنها الصحراء المغربية
بقلم سعيد الغماز