واشنطن- واصل الإعلام الأميركي تجاهله المتعمد لتبعات دعم إدارة الرئيس جو بايدن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على الداخل الأميركي، وكانت حالة إضرام الطيار آرون بوشنيل النار في نفسه حتى الموت أمام سفارة إسرائيل بواشنطن، احتجاجا على موقف بلاده من العدوان، آخر فصول هذه السياسة.
واستمر التجاهل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي نتج عنه حتى الآن استشهاد ما يقرب من 30 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، مع دعم أميركي كامل لإسرائيل سواء في جانب التسليح أو في المحافل الدولية وأهمها مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية.
ولا يتناول الإعلام الأميركي، في أغلبه، تبعات دعم إدارة جو بايدن العدوان الإسرائيلي في الداخل الأميركي، ويخفف من تأثير الحراك المجتمعي الذي شمل عديدا من مراكز صنع القرار الحكومية، وكبريات الجامعات الأميركية.
ومع اتهام منتقدي السياسات الإسرائيلية والمطالبين بوقف دعم واشنطن للعدوان على غزة بـ”معاداة السامية” أو التعاطف مع ما يسمونه “الإرهاب”، انتقل الإعلام الأميركي ليمهد إلى أن بوشنيل ربما كان “مريضا نفسيا أو مختلا عقليا”.
وأصبح من الصعب على الإعلام الأميركي التقليدي، خاصة داعمي إسرائيل داخله، أن يصدقوا أن الناس العاديين قد يهتمون فقط بالقتل الجماعي ومعاناة الرجال والنساء والأطفال في قطاع غزة، من دون أن يكونوا من “أعداء السامية أو إرهابيين” كما يصفونهم.
4 وسائل
وغردت خبيرة الشؤون الدولية أسال أراد -عبر منصة إكس- مستغربة من موقف 4 من كبرى شبكات الأخبار الأميركية والعالمية. ورصدت كلا من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، ووكالة رويترز، وشبكة “سي إن إن”، التي اختارت جميعا أو اتفقت على عدم طرح سؤال “لماذا أحرق آرون بوشنيل نفسه؟”، عند تغطيتها الخبر.
“لا تسأل لماذا فعل ذلك؟ 4 وسائل إخبارية رئيسية لديها العنوان نفسه تقريبا لحادثة إحراق آرون بوشنيل (25 عاما) نفسه، ولم تذكر إحداها كلمة “غزة” أو “الإبادة الجماعية”، أو سبب احتجاج آرون، أو كلمة “فلسطين”، أو كلماته الأخيرة.
جدير بالذكر أن بوشنيل، العامل في القوات الجوية، توجه -عصر الأحد الماضي- إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ولدى وصوله سكب بنزينا على رأسه وملابسه، وأضرم النار في نفسه وهو يصرخ “الحرية لفلسطين” مرارا وتكرارا حتى توقف عن التنفس، لتعلن شرطة واشنطن لاحقا مفارقته الحياة.
وقبيل إضرامه النار في نفسه، قال بوشنيل أمام السفارة “سأنظم احتجاجا عنيفا للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيرا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم”.
دعونا لا ننسَ
وفي الوقت الذي تجاهل فيه البيت الأبيض ووزارة الخارجية -حتى الآن- تناول هذه الحادثة أو التعليق عليها، علق المرشحان المستقلان لانتخابات الرئاسة المقبلة، بانتقادات مباشرة لسياسة الإدارة الأميركية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقال المرشح كورنيل ويست -في تغريدة عبر منصة إكس- “دعونا لا ننسَ أبدا الشجاعة والالتزام الاستثنائيين للأخ آرون بوشنيل الذي مات من أجل الحقيقة والعدالة. أصلي من أجل أحبائه الأعزاء. دعونا نكرس أنفسنا من جديد للتضامن الحقيقي مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمات الإبادة الجماعية في هذه الأوقات!”.
في حين طالبت جيل شتاين، مرشحة الرئاسة عن حزب الخضر، بالصلاة من أجل آرون بوشنيل، قالت على منصة أكس “كل الرحمة إلى آرون بوشنيل. (لن أكون متواطئة في الإبادة الجماعية بعد الآن. فلسطين حرة)!، آمل أن تعمق تضحيته التزامنا بوقف الإبادة الجماعية الآن”.
بوشنيل شخص طبيعي
وذكر بيان للقوات الجوية الأميركية -صدر أمس الاثنين- أن بوشنيل كان من مدينة ويتمان بولاية ماساشوستس، وعمل اختصاصي عمليات الدفاع السيبراني مع وحدة دعم الاستخبارات رقم 531 في قاعدة سان أنطونيو المشتركة.
وانضم بوشنيل للقوات الجوية مايو/أيار 2020، وتم تعيينه في الجناح الـ70 للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
وفي الأيام التي سبقت وفاته، كتب بوشنيل وصية تتضمن تفاصيل رغباته النهائية التي شاركها مع أصدقائه المقربين.
وفي مؤتمر صحفي أمس الاثنين، قال المتحدث باسم البنتاغون الميجور جنرال بات رايدر إن وزير الدفاع لويد أوستن على علم بالوضع ويتابعه.
وأضاف رايدر “إنه بالتأكيد حدث مأساوي، ونقدم تعازينا لعائلة الجندي بالقوات الجوية”، ولم يقترب من أسباب الوفاة، أو لماذا أضرم بوشنيل النار في نفسه.
تزايد الاحتجاجات
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أضرم شخص النار في نفسه خارج القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، في حين قالت الشرطة إنه “على الأرجح عمل احتجاجي سياسي متطرف”.
وذكرت الشرطة ومسؤولو الإطفاء للصحفيين أنه “تم انتشال العلم الفلسطيني الذي كان جزءا من الاحتجاج في مكان الحادث، وتم استخدام البنزين لإشعال النار”.
ووقع حادث مماثل في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي خارج مكتب القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا، بولاية جورجيا، حيث أشعلت امرأة ملفوفة بالعلم الفلسطيني النار في نفسها عمدا في احتجاج سياسي واضح، وفقا للشرطة.
وقالت الشرطة إن المرأة، التي أصيبت بجروح خطيرة، أشعلت النار في نفسها بعد أن سكبت البنزين على جسدها. وأصيب حارس أمن بحروق عندما حاول إخماد الحريق، حسب الشرطة.
وعلى الجانب الآخر، أشارت عدة وسائل إعلام عند تناولها خبر إضرام بوشنيل النار في نفسه -اعتراضا على تواطؤ بلاده في المجازر الإسرائيلية- إلى ضرورة الاتصال أو إرسال رسائل نصية مجانية إلى خطوط ساخنة تساعد في مواجهة أفكار الانتحار للحصول على دعم عاطفي مجاني وسري على مدار 24 ساعة في اليوم طوال أيام الأسبوع.