كواليس العفو عن بوعلام صنصال.. ضغوط أوروبية ومفاوضات سرية بين الجزائر وبرلين وباريس

كشفت صحيفة لوبوان الفرنسية، في تقرير مطوّل، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بقرار العفو الرئاسي الذي أصدرته الجزائر بحق الكاتب والمعارض بوعلام صنصال، مؤكدة أن القرار لم يكن ثمرة مبادرة داخلية خالصة، بل نتيجة مفاوضات دبلوماسية طويلة ومعقدة شاركت فيها كل من الجزائر وألمانيا وفرنسا، بتنسيق مباشر بين رؤسائها.

وبحسب الصحيفة، فإن الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير تقدّم رسمياً في 10 نونبر 2025 بطلب عفو عن صنصال لأسباب “إنسانية”، وهو ما دفع الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون إلى دراسة الملف بتأنٍ، قبل أن يقرر الموافقة استناداً إلى ما ينص عليه الدستور الجزائري في ما يخص منح العفو الخاص.

ونقلت لوبوان عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن العمل على هذا الملف بدأ منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، وشهد زخماً ملحوظاً خلال الأسابيع الأخيرة، إذ كثفت العواصم الثلاث اتصالاتها بهدف إيجاد تسوية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، وتنزع فتيل التوتر الذي شاب العلاقات الجزائرية الفرنسية على خلفية اعتقال صنصال.

وجاء في بيان رسمي للرئاسة الجزائرية، صدر الأربعاء 12 نونبر الجاري، أن تبون “أبدى تفهماً للأبعاد الإنسانية للطلب الألماني، وبعد استيفاء الإجراءات القانونية قرر التجاوب الإيجابي مع مبادرة الرئيس شتاينماير”. وأضاف البيان أن ألمانيا ستتكفل بنقل الكاتب (76 عاماً) إلى أراضيها لمتابعة العلاج.

ويعد بوعلام صنصال أحد أبرز الأصوات الأدبية المثيرة للجدل في الجزائر، إذ عرف بكتاباته المنتقدة للنظام السياسي ومواقفه الحادة من السلطة، ما جعله في قلب خلاف دبلوماسي صامت بين الجزائر وباريس، خاصة بعد تصريحات سابقة له اعتُبرت “مسيئة للبلاد ومنافية لروح الانتماء الوطني”.

ويرى مراقبون أن الإفراج عن صنصال يعكس حجم الضغوط الأوروبية المتزايدة على الجزائر، في سياق يسوده شدّ وجذب سياسي بين ضفتي المتوسط، ويُبرز في الوقت نفسه مدى تأثير المصالح الدبلوماسية على القرارات السيادية الداخلية.

وفي المقابل، اعتبر آخرون أن الخطوة تعبّر عن انفتاح حذر من الجزائر تجاه شركائها الأوروبيين، وحرصها على الحفاظ على توازن العلاقات في ظرف إقليمي حساس يتسم بتغيرات عميقة في موازين القوى الدولية.

ويُنتظر أن يفتح هذا التطور صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الألمانية، بعد فترة من الفتور، بينما يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كان هذا العفو بداية لانفراج أوسع في المشهد السياسي الجزائري أم مجرد استجابة ظرفية لحسابات خارجية معقّدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.