كلمة السيد وزير العدل بمناسبة تنظيم الدورة العاشرة لبرنامج الجامعة في السجون
حول " المخططات الاستراتيجية للتنمية: أي موقع للمؤسسة السجنية "
السيدات والسادة الحضور الكرام كل باسمه وصفته.
يشرفني أن أفتتح معكم أشغال الدورة العاشرة لبرنامج ” الجامعة بالسجون” والتي يتمحور موضوعها حول ” المخططات الاستراتيجية للتنمية: أي موقع للمؤسسة السجنية “، وهو موضوع يحظى براهنية متجددة بالنسبة للمملكة المغربية، ويسائل بعمق مختلف المستويات التشريعية والمؤسساتية والمجتمعية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
لقد قطعت بلادنا بفضل المقاربة الشمولية لقضايا السجون والسجناء، الكثير من الأشواط، تحققت خلالها العديد من المكاسب والتراكمات، بفضل إسهام الجميع (قطاعات حكومية، فاعلون اقتصاديون واجتماعيون، مجتمع مدني، إعلام وقوى حية)، في انسجام تام مع توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، الذي ما فتئ ينادي باستراتيجية عميقة وشمولية للقطاع، ولاسيما ما تضمنه خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة القضائية سنة 2003 ، حيث قال جلالته: (إن ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يستكمل إلا بما نوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية. ولقد تأثرنا بالغ التأثر لما وقع في بعض السجون من حوادث مؤلمة. لذلك وبموازاة مع الإصلاح المتقدم الذي شمل قانون السجون وبرنامج العمل الطموح الذي نسهر على أن تنهض به مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج نزلاء المؤسسات السجنية، فقد أصدرنا تعليماتنا قصد الإسراع ببناء مركبات سجنية عصرية مدنية وفلاحية والاعتناء بالظروف المادية والمعنوية للسجناء) انتهى كلام جلالة الملك.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
ندرك جيدا أن ما تحقق على درب تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسجناء، وأنسنة ظروف الاعتقال، وتهييئ الشروط المواتية لإعادة الإدماج، والرفع من نسب التكوين والتأهيل وتنويعها، وكذلك تحديث الإدارة السجنية وتأهيل وتكوين الموارد البشرية وغيرها… يعد كثيرا ومشرفا؛ غير أنه، وبنفس اليقين نعلم جيدا أن الحاجيات لاتزال كبرى، والطريق لايزال شاقا وطويلا، ويزداد تعقيدا وصعوبة مع الارتفاع المسترسل في عدد السجناء خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يتطلب من جميع المعنيين، ضرورة تظافر الجهود وتعزيز الطاقات، كل من زاوية اختصاصاته ومهامه، للدفع بالأوراش المفتوحة داخل السجون نحو التنزيل الأسلم والناجع، لاسيما ورش الأنسنة، وورش تحسين البنية التحتية وتأهيل المعتقلين وإعادة الإدماج، وورش تحديث الإدارة وعصرنة الموارد البشرية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
من موقع أهمية المقاربة القانونية التي تظل حجر الزاوية في كل السياسات العمومية التي تروم النهوض بأوضاع المواطنين بما فيهم فئة السجناء، فإن وزارة العدل لن تدخر جهدا في العناية بهذا المجال، ولعل مدخله هو ما يثار من ملاحظات على دور وثيقة السجل العدلي في مجال إعادة إدماج السجناء، حيث تعد من أبرز العوائق أمام إعادة الإدماج الاجتماعي بما أنه يعد حاجزا أمام الولوج إلى سوق الشغل، ويساهم في التقليص من فرص تشغيل السجناء المفرج عنهم؛ وعلى الرغم مما تكتسيه هذه الوثيقة من أهمية بالغة في سير نظام العدالة الجنائية، إلا أنها في صيغتها واستخداماتها الحالية تعتبر عقبة حقيقية أمام جميع أنظمة العقوبات عبر العالم، كما تعكس قطيعة بين خطاب إعادة الإدماج والواقع القانوني، وهي الاكراهات التي حاولت الأنظمة المقارنة إيجاد حلول لها: إما من خلال التنصيص صراحة ضمن تشريعات الشغل على منع طلب وثيقة السجل العدلي أثناء الولوج للمهن، أو من خلال مراجعة منظومتها الجنائية الإجرائية وإدراج بعض الاستثناءات بما يسمح بإعادة إدماج السجناء في الوسط الاقتصادي والاجتماعي.
حضرات السيدات والسادة،
إن معالجة هذه الإشكاليات تطلب من وزارة العدل إدراج تعديلات في مشروع قانون المسطرة الجنائية، تروم تحقيق عملية إعادة الإدماج بالنسبة للسجناء المفرج عنهم، من قبيل منح النزلاء الذين تلقوا تكوينا مهنيا أو حازوا على شهادات علمية داخل أسوار السجن سجلات عدلية فارغة من السوابق لتشجيعهم على الاندماج بشكل جيد داخل المجتمع بعد الإفراج عنهم.
وفي نفس السياق يتم التفكير أيضا، في إعادة النظر في مسطرة رد الاعتبار، حيث سيتم تحفيز المحكوم عليهم على الانخراط في برامج الإصلاح والإدماج، عن طريق تقليص آجال رد الاعتبار القانوني والقضائي؛ أو الإعفاء من الأجل بالنسبة للسجناء الذين ساهموا بجدية في برامج التأهيل والإدماج؛ وإسناد مهمة رد الاعتبار القانوني بكيفية تلقائية إلى كتابة الضبط تحت مراقبة النيابة العامة.
وفي نفس الصدد، تعتبر التدابير القانونية التحفيزية مثل العفو والإفراج المقيد بشروط من الوسائل المهمة في تعزيز عملية إدماج السجناء، حيث يمكن الاعتماد على معياري التمدرس والتكوين المهني والحرفي كمحفزات للاستفادة من الآليتين المذكورتين تشجيعا للنزلاء على الانخراط التام في عجلة التنمية.
وفي ذات الإطار، وبما أن ضمان الأثر الإصلاحي للعقوبات يتطلب التعامل مع السجناء وفق مبدأ التفريد، إذ لا يقتصر الأمر فقط على أنسنة ظروف الإيواء وإنما يتوجب التركيز أيضا على الجوانب النفسية والعقلية للسجين وتعزيز رغبته في الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنه، وبالتالي مساهمته في السياسة التنموية التي تنهجها المملكة المغربية؛ فقد لوحظ أن الأحكام قصيرة الأمد تعتبر عقبة حقيقية أمام بلورة برامج لإعادة إدماج السجناء تستجيب لانتظاراتهم وتحثهم على الانخراط في المجتمع بعد تنفيذ عقوبتهم، وهو ما يفسر عزوفهم عن المشاركة في برامج إعادة الإدماج خاصة ما يرتبط بالتمدرس والتكوين الحرفي والمهني، كما يبقى انخراطهم في هذه البرامج رهينا بتوفر الإرادة لديهم لفعل ذلك، الأمر الذي أصبح يتطلب التنصيص على عقوبات بديلة، كالعمل من أجل المنفعة العامة والمراقبة الالكترونية وغيرها…، ذلك أن كثرة الأحكام بالمدد القصيرة، ينعكس سلبا على عملية إعادة تأهيل السجناء لإعادة إدماجهم الاجتماعي، إذ غالبا ما تكون فئة المحكومين بهذه المدد من ذوي السوابق والمتابعين من أجل جرائم صغرى وهي فئة لا يكون للسجن أي تأثير ردعي عليها، وبالتالي يبقى من الصعب إعداد برنامج تأهيلي أو إصلاحي خاص بها.
حضرات السيدات والسادة،
ختاما، لا يسعني إلا أن أجدد الشكر للصديق العزيز السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ليس على دعوته الكريمة هته فحسب، بل على مختلف الجهود التي يقوم بها، والتي بصمت على تطورات ودينامية غير مسبوقة يعيشها هذا القطاع منذ مدة، في تغيير واضح، شمل مختلف المحاور والجوانب لا ينكره إلا جاحد، متمنيا له ولأشغال هذه الندوة كامل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…