كلــــمــــة
السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني
والتعليم العالي والبحث العلمي
بمناسبة توقيع الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء
الأربعاء، 28 يوليوز 2021
السيد الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي؛
السادة الكتاب العامون؛
السيدة المديرة العامة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل؛
السيدات والسادة رؤساء الجامعات؛
السادة المفتشون العامون؛
السيدات والسادة المديرون المركزيون والجهويون؛
أيها الحضور الكريم؛
نعيش اليوم، ونحن في غمرة الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى الثانية والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، لحظة متميزة في مسار إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وقد جسدت الخطب الملكية السامية والمواكبة المتواصلة لجلالته لمختلف الأوراش الاصلاحية التي عملنا على إطلاقها، العناية المولوية والاهتمام الذي ما فتئ جلالته يوليه لإصلاح منظومة التربية التكوين، وتطوير منظومة تدبيرها وحكامتها في كل المحطات المتتالية، بدءا بتشكيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مرورا بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030، وانتهاء بترجمة هذه الرؤية إلى قانون إطار يضمن استمرارية الإصلاح وإلزاميته كشأن مجتمعي ينخرط فيه الجميع.
كما أن هذه اللحظة هي بمثابة تتويج لسيرورة من التدابير التأسيسية والعميقة التي تنشد إرساء منظومة حكامة تضمن نجاعة تنزيل الاختيارات والأهداف الاستراتيجية الكبرى للإصلاح من خلال إحداث هيئة للقيادة متمثلة في “اللجنة الوطنية لتتبع وإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي”، وكذا بلورة لوحة قيادة شاملة بالمنظومة تتضمن المخطط التشريعي وحافظة مشاريع تنزيل أحكام القانون الإطار رقم 17.51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين.
اليوم، وسيرا على نفس المنوال، فإن “الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء” الذي سنقوم بتوقيعه يأتي كحلقة إضافية ضمن هذه السيرورة المتواصلة، التي عملنا خلالها على توفير المقومات التدبيرية الأساسية لإخراج هذه العقود إلى حيز الوجود، فحافظة المشاريع الاستراتيجية التي أصبحنا نتوفر عليها بكافة قطاعات ومستويات الوزارة، ومخططات العمل الجهوية متعددة السنوات، والندوات التفاوضية السنوية، وغيرها من آليات التدبير بالمشروع، هي التي ستمكننا اليوم من إبرام هذه العقود التي تتوخى نجاعة الأداء.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد أصبحت الظرفية جد مواتية لإرساء آلية التعاقد، باعتباره ينبني على مشاريع وتدابير مضبوطة، وأهداف واضحة ومرقمة، قطعنا أشواطا هامة في بلوغها، وحققنا فيها نتائج ملموسة ومشجعة، تشرفنا جميعا.
فالإطار التعاقدي لنجاعة الأداء هو آلية تستشرف المستقبل بمُنجزات الماضي والحاضر، باعتبارها تنطلق من تشخيص دقيق للوضعية الراهنة للمنظومة، تُبنى على أساسه الأهداف المرتقبة برسم السنوات الثلاثة المقبلة، قبل أن تتم ترجمتها إلى بنود ومقتضيات تعاقدية.
وستسمح آلية التعاقد بتثمين نقط القوة التي أفرزها تشخيص الوضعية الراهنة، كما أنها ستعطي دفعة قوية للأوراش المهيكلة التي عملنا على إطلاقها بالقطاعات الثلاثة للوزارة، وللنفس الإصلاحي الذي أصبحنا نعيشه بشكل ملموس، بفضل المجهودات التي بذلناها في إطار تفعيل المشاريع الملتزم بها أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وتنزيل خارطة الطريق الجديدة لتطوير التكوين المهني التي تم تقديمها بين يدي جلالة الملك نصره الله، وكذا تفعيل المشاريع الاستراتيجية لتنفيذ أحكام القانون الإطار رقم 51.17.
فالوضعية التي تنطلق منها الأهداف التعاقدية، تتميز بالنتائج المشرفة التي حققناها في إطار البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي الذي حظي بالرعاية الملكية السامية، ويكفي الاطلاع على نسبة التمدرس التي بلغت 72.5% بعد أن كانت لا تتجاوز 45.6% سنة 2017، للوقوف على حجم المجهودات المبذولة من طرف الوزارة وشركائها.
كما حققنا تقدما ملموسا على مستوى توسيع وتطوير العرض التربوي المدرسي والمهني والجامعي، وعلى مستوى التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم، وتحسين نسب التمدرس بمختلف الأسلاك التعليمية، وكذلك على مستوى التمييز الإيجابي للوسط القروي، وللفتاة القروية، وذلك بالموازاة مع تحسين ظروف العرض المدرسي والمهني والجامعي، وخاصة من خلال تأهيل البنيات التحتية، والتخفيف من الاكتظاظ، والحد من الأقسام متعددة المستويات.
كما أعطينا دفعة قوية لعدة مشاريع أخرى كتعزيز برامج الدعم الاجتماعي لفائدة التلاميذ والمتدربين والطلبة، وتوسيع شبكة المدارس الجماعاتية، وتوسيع شبكة “مدارس الفرصة الثانية من الجيل الجديد”، وتأهيل العرض التكويني وإعادة هيكلة شعبه تماشيا مع متطلبات سوق الشغل، وإحداث جيل جديد من المؤسسات التكوينية، إلى جانب توسيع العرض الجامعي، سواء بالنسبة للمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح أو المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
كما ساهم البرنامج الوطني للتربية الدامجة الذي حظي بالرعاية السامية لصاحب الجلالة نصره الله، بشكل كبير، في تأمين الحق الأساسي للتمدرس لفائدة هذه الشريحة من الأطفال.
وفيما يتعلق بتحسين الجودة بالمؤسسات المدرسية والتكوينية والجامعية، فإن الأهداف التعاقدية تتأسس على المكتسبات المتعددة التي تم تحقيقها على عدة مستويات، كتطوير المناهج والبرامج، وتعزيز التحكم في اللغات الوطنية والأجنبية، و إقرار نظام ناجع ونشيط للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وإحداث مسارات “رياضة ودراسة” ، والنهوض بأنشطة الحياة المدرسية، وإعلاء قيم المواطنة والتسامح والتعايش، وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية، وتكييف ومراجعة نظام التقويم والامتحانات، وتحسين التكوين الأساس والمستمر للموارد البشرية، وعصرنة المناهج البيداغوجية وتحسين جودتها بالنسبة للتكوين المهني، وتوفير التكوينات المساعدة على الإدماج المهني، إلى جانب توطيد الإصلاح البيداغوجي بالتعليم العالي، وخاصة مع إطلاق الورش الوطني الخاص بنظام البكالوريوس، فضلا عن النهوض بالبحث العلمي والابتكار.
كما أن وضعية الانطلاق تتميز بالمنجزات الهامة المحققة في مجال الارتقاء بتدبير المسارات المهنية لنساء ورجال التعليم، وتطوير الإطار القانوني والتشريعي للإصلاح، وتطوير الحكامة المالية، والارتقاء بآليات التواصل والتعبئة، وتطوير نظام المعلومات.
وقد كان من الضروري التذكير بهذه الأوراش المهيكلة، للتأكيد على أهميتها وأولويتها ضمن منهجيتنا التعاقدية، إذ نأمل من خلال الأهداف التي سنتعاقد بشأنها اليوم تسريع وتيرة الإنجاز.
حضرات السيدات والسادة؛
يستمد هذا الحدث المتميز في تاريخ المنظومة، الذي نعيشه اليوم، أهميته القصوى من خصوصية السياق الذي يندرج فيه، وكذا من محورية الأهداف التي يسعى الإطار التعاقدي لتحقيقها:
أولا، فالإطار التعاقدي لنجاعة الأداء يكرس طابع الإلزامية الذي تتميز به مجموعة من البرامج، وخاصة برنامج العمل الملتزم به أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمختلف مكوناته، وخارطة طريق التكوين المهني، والقانون الإطار رقم 51.17؛
ثانيا، يأتي الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء في سياق اعتمدت فيه بلادنا، بطلب ملكي سامي، نموذجا تنمويا جديدا يدعو إلى إحداث نهضة تربوية، وتحول عميق للنظام التربوي، ويحث من جهة أخرى على إرساء إدارة حديثة ومسؤولة تكرس ثقافة الأداء والنتائج؛
ثالثا، يأتي الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء في سياق أطلقت فيه الحكومة المغربية ورشا استراتيجيا لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، يروم الرفع من الفعالية والكفاءة الاقتصادية والاجتماعية لهذه المؤسسات، وتحسين حكامتها وخاصة عبر تعميم آلية التعاقد كوسيلة لترسيخ حسن الأداء وثقافة التدبير القائم على النتائج؛
رابعا، يشكل الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء خطوة هامة في تجسيد مبدأي ربط المسؤولية بالمحاسبة، والحكامة الجيدة، اللذان تم توثيقهما في الفصل الأول من دستور المملكة لسنة 2011، ونعلم جميعا الأهمية التي ما فتئ يوليها جلالة الملك حفظه الله لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛
خامسا، يعتبر الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء تفعيلا لأحكام القانون الإطار رقم 51.17 ذات الصلة بتطوير حكامة منظومة التربية والتكوين، وبتعزيز الاستقلالية الفعلية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والجامعات والمؤسسات العمومية التابعة للوزارة في إطار تعاقدي، وبإقرار آلية للتتبع والتقييم وقياس الأداء بكيفية دورية؛
سادسا، الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء هو تنفيذ لأحكام القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية، لاسيما فيما يتعلق بالبرمجة الميزانياتية المتعددة السنوات، وبنجاعة الأداء.
حضرات السيدات والسادة؛
إن العقود التي سنوقعها اليوم، ستسمح بتأطير العلاقة بين الوزارة والمؤسسات التابعة لها، وكذلك بين المستويين المركزي والجهوي، وستسمح بالتمييز، في إطار تعاقدي واضح، بين وظائف وضع التوجهات والاختيارات الاستراتيجيات والتقنين والمعيَرة والتتبع والتقويم، التي ترتبط بشكل أكبر باختصاصات المستوى الأول، وبين وظيفة التنفيذ الميداني والعملي التي ترتبط باختصاصات المستوى الثاني.
وحتى نعطي لمنهجية التعاقد حول الوسائل والأهداف بعدا شموليا، فإنني أدعو السيدات والسادة المسؤولين الجهويين إلى تفعيل نفس المنهجية في تأطير العلاقة بينهم وبين المستويات الإقليمية الواقعة تحت نفوذهم الترابي.
وعلى نفس المنوال، ينبغي العمل على تطوير “مشروع المؤسسة” حتى يصبح آلية حاضنة لمختلف مشاريع تنزيل القانون-الإطار رقم 51.17 التي لها امتداد ميداني، ويتم على أساها التعاقد مع المؤسسات التعليمية.
وفي الختام، أود أن أتوجه بالشكر إلى كل المسؤولين والأطر، مركزيا وجهويا، الذين سهروا على إعداد الإطار التعاقدي لنجاعة الأداء، وأشكر كذلك جميع رؤساء الجامعات والمديرات والمديرين المركزيين والجهويين والإقليميين ورؤساء المؤسسات الجامعية، وجميع رئيسات ورؤساء المشاريع بمختلف مستويات المنظومة، ومن خلالهم فرق العمل التي تساندهم، على كل المجهودات التي بذلوها ويبذلونها من أجل إنجاح المشاريع الاستراتيجية لتنفيذ القانون الإطار رقم 51.17، تجسيدا منهم لأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقهم في سبيل تحقيق أهداف الإصلاح، وإرساء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، وجعل المدرسة المغربية، بمختلف مكوناتها، تضطلع بوظيفتها الاستراتيجية في تقوية الرأسمال البشري، بما يكفل نجاح النموذج التنموي الجديد، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.