السيد سفير المملكة المتحدة المحترم؛
السيدة مديرة برامج وستمنستر للديمقراطية المحترمة؛
السيدة الخبيرة بجامعة لوزان بسويسرا المحترمة؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
حضرات السيدات والسادة؛
يشرفني أن أفتتح هذه الورشة التكوينية التي ينظمها مجلس المستشارين بشراكة مع مؤسسة وستمنستر للديمقراطية، لفائدة السيدات والسادة المستشارين، دعما لقدرات المجلس في مجال تقييم السياسات العمومية.
وللتذكير فإن دستور 2011 أناط بالبرلمان المغربي بمجلسيه مهمة تقييم السياسات العمومية ، وذلك من خلال مقتضيات الفصل 70 والفصل 101 من دستور 2011 التي جعلت من هذه الوظيفة الدستورية الجديدة مسؤولية أساسية، يمارسها البرلمان بآليات مختلفة تمكنه من الحصول على معلومات تسلط الضوء على العمل الحكومي ومراقبته وتقييمه، وعلى رأسها الجلسة السنوية لمناقشة السياسات العمومية، وذلك بهدف التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس تأثيراتها على الفئات المجتمعية المستهدفة.
تبعا لذلك، سارع مجلس المستشارين إلى تعزيز ممارسته لهذه الوظيفة الجديدة استنادا إلى مسطرة دقيقة توضح الآجال والقنوات وتضبط المسؤوليات، كما يحددها نظامه الداخلي، وتسهر على تنفيذها مجموعة موضوعاتية مؤقتة يتم تشكيلها من مختلف الأطياف السياسية والمهنية والنقابية المكونة للمجلس، مع الاستفادة من الدعم الذي يضمنه الدستور للبرلمان في هذا المجال من لدن مؤسسات وهيئات الحكامة.
وتفعيلا لهذا المقتضى الدستوري، أنجز مجلس المستشارين ابتداء من سنة 2015 ثلاث عمليات للتقييم همت:
- تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالحكامة الترابية ومتطلبات التنمية الجهوية (يوليوز 2015).
وهو موضوع متشعب الجوانب استدعى تقييم أداء عدد من السياسات المعتمدة من قبيل الصحة والتعليم والبيئة في بعدها الجهوي، وفي إطاره تمت مساءلة مدى النجاح في إرساء سياسة الجهوية واللاتمركز.
- تقييم السياسات العمومية المرتبطة بإنتاج الثروة ( يوليوز 2016)
في إطار هذه التجربة تم انتقاء الاستراتيجيات العمومية الأكثر تأثيرا في خلق الثروة من قبيل: مخطط المغرب الأخضر ومخطط التسريع الصناعي ومخطط الطاقات المتجددة والمخطط الأزرق للسياحة.
- تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمرفق العمومي(الدورة التشريعية الأخيرة)
وفي إطاره تم انتقاء السياسات العمومية الأكثر تأثيرا في التأهيل الاجتماعي والاقتصادي، ومدى ضمانها لولوج المواطنين إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ويتعلق الأمر ب: المراكز الجهوية للاستثمار والصحة والتعليم.
ويعكف المجلس حاليا على تقييم الاستراتيجية الوطنية للماء، حيث شكل لأجل ذلك لجنة موضوعاتية مؤقتة، شرعن في الاشتغال على الموضوع منذ أسابيع.
وللإشارة، فان اختيار مواضيع تقييم السياسات العمومية، يتأسس على اختيار جماعي تعبر عنه مقترحات مختلف مكونات المجلس ويحسم فيه مكتبه بتنسيق مع مجلس النواب – في استحضار تام لأولويات التنمية وبتجاوب مع طموحات وتطلعات المواطنين.
حضرات السيدات والسادة؛
إن تخويل البرلمان مهمة تقييم السياسات العمومية في الدستور يندرج ضمن سياق عام يتميز بانفتاح ديمقراطي وتتمثل سمته البارزة في ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتبعا لذلك، عرف القانون التنظيمي لقانون المالية تعديلات جذرية تميزت أساسا بتبني منهجية التدبير استنادا الى النتائج وليس إلى الوسائل، مما أحدث تغييرات جذرية في طريقة التصويت على مشروع القانون المالي، التي انتقلت من التصويت على الأبواب إلى التصويت على البرامج، وضمنها على مهام محددة بشكل يسهل مهمة البرلمان في تتبع النشاط الحكومي في مختلف تفاصيله.
من جهة أخرى، تمت مواكبة هذا الانفتاح بدسترة عدد من مؤسسات وهيئات الحكامة التي باتت مؤهلة للقيام بدراسات تلقائية أو تستجيب لطلبات البرلمان في إبداء الرأي في مواضيع محددة تهم جوانب عديدة منها قضايا تقييم السياسات العمومية، وأيضا بدسترة آليات الديمقراطية التشاركية بشكل يسمح لجمعيات المجتمع المدني وللمواطنين بتقديم عرائض للسلطات العمومية وملتمسات قوانين للبرلمان. وهو ما فتح مجالا أكبر لدعم وظيفة التقييم التي تقوت بشكل أكبر مع اعتماد قانون الحق في الولوج إلى المعلومات، هذا دون أن ننسى بأن اعتماد الجهوية المتقدمة أفسح المجال لإنزال التدبير من بعده الوطني إلى بعده المحلي مع فتح إمكانية التقييم أمام الجهات والجماعات الترابية المختلفة طبقا للدستور.
لكن، وعلى الرغم من هذا الإطار القانوني المواتي، إلا أن الأداء الجيد لمهمة التقييم يبقى رهينا بالإمكانيات المتاحة للبرلمان لإنجاز المهمة المذكورة وبالكفاءات التي يتعين أن تتوفر لدى الفاعل السياسي للتقييم الموضوعي للسياسات العمومية بالنظر لطابعها التقني المعقد.
لأجل ذلك، عمل مجلس المستشارين على تقوية قدراته في مجال تقييم السياسات العمومية من خلال الانفتاح على مختلف الفعاليات ذات الصلة بالموضوع، توج بتنظيم ندوة دولية حول تقييم السياسات العمومية، كما حرص على المشاركة في عدد من الورشات التكوينية المنظمة لفائدة كل من البرلمانيين والأطر، والملتقيات الدولية وعلى رأسها المؤتمر الفرنكفوني الدولي الثاني للتقييم المنعقد بمراكش يومي 13-14 نونبر 2016 تحت شعار “التقييم في مواجهة التحديات الجديدة للتنمية”، والملتقى البرلماني العالمي للتقييم تحت شعار”البرلمان المسؤول: تقييم خطة التنمية المستدامة لعام 2030” ، والمؤتمر الإقليمي السابع للتقييم في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، مستفيدا من الشراكات التي عقدها مع عدد من المنظمات الدولية وعلى رأسها مؤسسة وستمنستر للديمقراطية، والتي أسفرت عن إنجاز دليل برلماني لتقييم السياسات العمومية.
وهو الدليل الذي أنجز من طرف الخبيرة الدولية بجامعة لوزان السويسرية السيدة كاتيا هوربر، التي نرحب بها للمرة الثانية برحاب مجلس المستشارين، من أجل تنشيط هذه الورشة لفائدة أعضاء وأطر المجلس، وبشكل خاص أعضاء اللجنة الموضوعاتية المشكلة لتقييم الاستراتيجية الوطنية للماء، ومن أجل تقديم فحوى الدليل المذكور بغية اعتماده كمرجع منهجي رسمي في تقييم السياسات العمومية.
أتمنى أن يستغل أعضاء وأطر المجلس هذه الفرصة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من خبرة السيدة كاتيا هوربر، التي راكمت تجربة تزيد عن 25 سنة في مجال تقييم السياسات العمومية، كأستاذة باحثة وكخبيرة أشرفت على تأطير العديد من عمليات التقييم لفائدة برلمان سويسرا.
وهي مناسبة أيضا، للاستفادة من توجيهات وملاحظات السيدة الخبيرة بشأن تقييم الاستراتيجية الوطنية للماء، التي يعكف المجلس، من خلال اللجنة الموضوعاتية المؤقتة، على التحضير لمناقشتها.