كلمة الدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام للإيسيسكو في الندوة الدولية حول التربية الإعلامية آفاق وتطلعات
مجلة أصوات
بسم الله الرحمن الرحيم
” و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر و الفؤاد كل
أولئك كان عنه مسئولا” صدق الله العظيم
أصحاب المعالي السعادة الحضور الكريم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتلاطم أمواج الأحداث صغيرها وكبيرها
سياسة .. و اقتصادا .. و ثقافة.. و اجتماعا …
ثم لا يصل إلى الساحل
إلا ما يريد له الإعلام أن يصل…
فلنتأمل هذه الحقيقة التي لا يخفت صداها …
و لنعد التفكير مرة إثر مرة
فما نحن إلا أسارى الصوت و الكلمة و الصورة
كل اكتشاف جديد هو غنيمة في يد الإعلام
و كل فكرة صاهلة – بالذكاء أو القوة – هي مرفأ من مرافئ الإعلام
و كأنما اتفق للمجال الإعلامي أن يكون مظلة النشاط الإنساني..
تصعد دول و إمبراطوريات وتهبط أخرى .. و تبقى للإعلام
الكلمة الفصل بين صعود تلك و هبوط هذي
بل كم من أنظمة وحكومات حكم عليها الإعلام بين بقاء و زوال.
فإن كانت هذه صولة الإعلام و الته…
فلنتفق على أن الاستعداد له
تنشئة .. و تربية .. و إعداداً .. و تطويراً .. و تجويداً
هو العمل الأرفع مكانة في تكوين الأجيال
رب جيلا تربية إعلامية حاذقة ، و اغنم زمانا من مكاسب النماء و الصيت الجموح والمكانة اللائقة..
و لقد فهم أباء الإعلام ومفكرو الدعاية و ساسة الإعلان..
كما فهمت أروقة التنشئة السياسية والاجتماعية.. هذه الحقيقة.. منذ بواكير الفكر التنموي..
غير أن الطفرة الاتصالية التي ما يزال العالم يرتج لها و يمور بتجلياتها …
تلفت الأنظار والأذهان صوب الضرورات العواتي..
اللائي بتن يفرضن واقعا جديدا على بساط النشاط البشري..
واقعا يستدعي فهما دقيقا و وعيا حصيفا برسالة الإعلام الجديد..
و أولى صفحات تلكم الرسالة
شير إلى اتساع حجم المجتمع الإعلامي و تزايد مواكب
الوالجين إلى سوحه .. إلى الحد الذي أمسينا فيه:
نسمع بصحيفة المواطن
و راديو المواطن
و تلفاز المواطن
صار بمقدور فرد واحد
أن يشكل رأيا عاما ، بجهاز صغير يحمله في يده.. و يبث من… خلاله رؤته و هو يتسكع في قارعة الطريق
فهل ثم أخطر من هذا الانقلاب في سلوك البشر و مدارعلائقهم ؟
إن صحائف الرسالة الإعلامية الجديدة تترى بما هو أدق و
أعمق و أطغى..
فيكفي أن نلقي نظرة خاطفة على المتشكل من بيئة الإعلام الشبكي الجديد :
٤.٤٨ أربعة مليارات وثمانية وأربعون مليونا ، يمثلون ٦٤،٦ بالمئة من سكان المعمورة يتبادلون الأخبار و الأفكار عبر وسائط التواصل الاجتماعي… ترليون رسالة نصية ذات بعد إعلامي إعلاني خلال العام الماضي..
أكثر من عشر شبكات على وسائل التواصل المختلفة هو متوسط ما يستخدمه الفرد العادي..
۹۱ بالمئة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يصلون إليها عبر أجهزتهم الجوالة.
١٥ بالمئة من وقت حياة اليقظة يمضيه الإنسان اليوم على شاشات التواصل الشبكي ، بواقع عشرة مليارات ساعة يوميا ، يزقها العالم في عالمه الافتراضي ، أي يعادل مليون و منتي ألف سنة من عمر الوجود البشري في اليوم الواحد.
يا له من عالم
و يا لها من حقائق مدهشة تشكل تفضيلاتنا و اختيارتنا و مسارب حياتنا دون أن نشعر …
إنه إذن عصر الإعلام الجديد
بكل ما يعنيه ذلكم من مقتضيات التربية الإعلامية الجديدة
فالفرحة الغامرة بالمبتكر الحديث بين أيدينا ، ينبغي ألا تشغلنا عما تنطوي عليه المسألة من إسقاطات تجعل من مجابهتها برؤية جديدة ، ضربا من اللازم اللازب :
فالإعلام في وجهه الجديد صار معبرا لانتهاك الخصوصيات و تهديد الحياة الفردية والاجتماعية…
و إدمان وسائل الإعلام الجديد صارت مدعاة للعزلة المسببة لقسط وافر من الاضطرابات النفسية و المجتمعية.
و الإعلام في سمته الجديد بات يشكل منصة لترويج الأخبار الملفقة الكبرى ، بما تسبب في كوارث هائلة الآثار على مستوى الأقطار و المجتمعات و المنتظم الدولي.
و الإعلام في وسائطه الحديثة غدا معبرا للأفكار الهدامة و التشكلات العنصرية والشعبوية المتطرفة ، الأمر الذي نجم عنه عديد المخاطر الأمنية التي يشهدها عالم اليوم.
كل ذلك.. كله.. و أكثر
يسوغ رجاحة كل جهد ماض صوب ترسيخ عماد التربية الإعلامية :
تربية إعلامية :
تبين في الأساس عن الاعتبارات الناهضة برسالة الإعلام و أهمية الإعلام وتستقبل الإعلام..
تربية إعلامية :
تعلي من قيم المساواة والعدالة والمواطنة الإنسانية العالمية
المتسمة بالانفتاح ، المتوجة بروح الإيجابية و التفاعل المقدام.
تربية إعلامية :
تثبت جدية توجهاتنا صوب تنمية مستدامة خلاقة.. تنمية
تستوعب الحاجة الماسة للنهوض بتعليم ذي جدوى ، و ثقافة ذات مردود ، و بيئة تصادقنا و نصادقها.
تربية إعلامية :
تفتح للإبداع آفاقا و تنسج بالابتكار مستقبلا مشرقا.
تربية إعلامية :
تحتفي الحاجات الانسانية تعلم التنوع اعتبارا وتمنح التباينات فرصة للشراكات المثمرة.
تربية إعلامية :
تصوب النظر و الفكر والصورة نحو القضايا التي ما يزال نصف البشرية يرزح تحت وطأتها:
7فقرا .. و هجرة مخاطرة.. و إدمانا قاتلا…
تربية إعلامية :
تجعل من المواطن الفرد مواطنا عالمي العطاء ، يتمسك بهويته المحلية ويناظر الآخر من منطلق الثقة ، دون افتئات على هويته.
بهذا الإدراك تمضي الإيسيسكو
موطدة شراكتها مع جامعة نايف للعلوم الأمنية ، على ذات النهج الذي أثمرت فيه شراكات معها ، جابت ساحات الأمن و الثقافة
و الفنون والعلوم الإنسانية…
نعد بأن نعمل معاً آلة الفعل الإعلامي الجاسر الرشيق تدريبا و تكوينا و تطويرا .. حتى تتكامل لدولنا الأعضاء منظومة من العطاء التربوي الإعلامي مقتدرة ، راشدة ، معطاءا …
و شكرا مستحقا في الختام لوزارة الاتصال و الشباب و الثقافة المغربية.. على يدها المساندة وشراكتها المحتذاة تنظيرا وإنفاذا..
وعليكم أجمعين السلام الأوفى.