طوال الأيام الماضية، تابعتُ بألم وقلق الوضع الصحي المتدهور لأخينا وعزيزنا سي محمد الملاحي وهو يرقد في المستشفى بالرباط في غيبوبة، وذلك بعد أن أصيب بالفيروس الطارئ المفزع الذي يجتاح بلادنا مثلما يجتاح كافة بلدان العالم.
وفي كُلِّ مرة، كان يصلني خبر جديد عنه، وتغمرني لحظة ارتياح وفرح عندما يكون الخبر جيدًا، ثم سرعان ما يصل خبر آخر مقلق. وهكذا، إلى أن وصلني خبر وفاته سَرِيرِيًّا، ثم جاء الخبر الأخير الذي لم أكن أنتظره، والذي أكد وفاة أخينا المَلَّاحي بعد طول معاناة، وبعد جهود مضنية بذلها أطباؤه مشكورين لإِنقاذ حياته.
إنها إرادة الله أخيرًا التي قضت والحمد لله على قضاء الله.
عزاؤنا واحد إِذن في فقدانِ مناضلٍ اتحادي أصيل، طيب، ودود، خدوم، مبادر ومستعد دائمًا للأداء والعطاء من موقعه النضالي في إطار حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومن موقع مسؤولياته الوطنية والمحلية بصفته نائبًا برلمانيًّا بمدينة وَادْ لَاوْ الشاطئية ورئيسًا لمجلسها البلدي، هذه الدائرة التي كرَّسَ وقْتَه وجهدَه بإِخلاص وتَفَانٍ لخدمتها والنهوض بوضعها وتقوية صورتها، فجعل منها مقصدًا سياحيًّا، وعزَّز إِمكاناتها التنموية، وفتح لها آفاقًا اقتصادية واجتماعية بل ولم يَفُتْهُ أن يهيء لها ظروف وشروط دينامية ثقافية تبعث على التقدير، فاستقبلت المدينة كتابًا وشعراء ومبدعين مغاربة وعَرَبًا في عدة مناسبات وأنشطة ثقافية وفكرية وأدبية.
وأشهد أنه كان نائبًا برلمانيًّا ناجحًا ومسؤولًا، أدى مَهَامَّهُ بصدقٍ وأمانة. فقد كان مواظبًا على الحضور والمواكبة داخل فريقه الاتحادي في مجلس النواب، سواء كنائب أو كنائب لرئيس فريق الاتحاد الاشتراكي أو داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة التي كان عضوًا نشيطًا فيها يحظى بالثقة وباحترام الجميع. كما كان له إسهام قوي وملحوظ في المهام الخارجية في إِطار حرصنا البالغ على دعم الدبلوماسية البرلمانية المغربية. والحق أن جميع إِخوانه وزملائه من النواب الذين كانوا يرافقونه ويرافقهم في هذه الانتدابات كانوا يُنَوِّهُون بكرم روحه ونزاهته وسخائه واستعداده الطوعي لخدمتهم وتسهيل سفرهم وأعمالهم. كما أن الجميع يشهدون بِحِرصه، وهو في الخارج، على أن يظل على تواصل قوي متواصل مع دائرته وأطر إِدارته البلدية متابعًا، مُوَجِّهًا حتى لا تنقطع أو تتوقف مصالح الساكنة.
وخلال ولايتَيْن في مجلس النواب، أتيح لي أن أقترب من رَجُلٍ هادئ، رزين متعقّل وله حِصَّتُه من الحكمة والاستقامة والموضوعية. وكانت تلفت انتباهي أحاديثُ زملائه وزميلاته في مجلس النواب عن صفاتِهِ، ومنها بالخصوص كرمه في خدمتهم تلقائيًّا ودونما تحفظ أو تَلَكُّؤ. ويمكن لعدد منهم اليوم أن يشهدوا له بالفعالية الملموسة داخل لجنة الداخلية، وكذا داخل الشُّعْبَة البرلمانية المغربية لدى الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي كان عضوًا نشيطًا فيها.
ودون أدنى مبالغة، يمكن القول بصدق إِنَّ المرحوم سي محمد الملاحي استطاع، بمعية بعض المُنْتَخَبين النزهاء والأطر الإدارية المخلصة، وكذا إدارة ترابية متفهمة، أَنْ يُحوِّل (وَادْ لَاوْ) من قرية صغيرة عزلاء تقريبًا إِلى مدينة متوسطية صاعدة، جَذَّابَة وواعدة. ويكفيه ذلك في مساره ورصيده ليُتَرجَم قيمة الرَّجُل في الأداء والعطاء والتضحية، ويُعَبِّر عن نجاحه في حياته السياسية والإدارية منذ أن ترأس مجلس المدينة سنة 2003، هو الإطار المتواضع في وكالة توزيع الماء والكهرباء الذي توفق في اختياره السياسي، وفي التزاماته الاجتماعية والنضالية، مما جَعَلَه مَحطَّ تقدير واحترام وإعجاب داخل حزبه، وداخل فريقه البرلماني، وطبعًا داخل مدينته وفي منطقة شمال المغرب التي شهدت خلال العقدين الأخيرين تحولًا تنمويًّا بنيويًّا وشاملًا بتوجيه وحرص وإشرافٍ مباشر من صاحب الجلالةِ الملك محمد السادس حفظه الله، وغدت بالقوة وبالفعل منطقة قوية اقتصاديًّا وعمرانيًّا وثقافيًّا ذات إِشعاع وطني ودولي يبعث على الاعتزاز. ولعل إِرادة جلالة الملك وجَدَتْ في طينةٍ نادرةٍ من الرجال والنساء النُّزَهاء والأكفاء، من مختلف الأجيال، وأخونا سي محمد الملاحي بدون شك كان أحدهم، من كانوا يُحَوِّلون الإرادة السامية إِلى فعل ملموس على الأرض. ولعل إِعادة انتخابه على المستوى المحلي والوطني كان إِحدى الإِشارات الإيجابية والمتفاعلة من لدن ساكنة المنطقة.
رحم الله الأَخ الصديق العزيز والمناضل الملتزم سي محمد الملاحي، وأسكنه فسيح جنانه، واجعله اللهم مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقا.