تحتفل جمهورية كازاخستان بالذكرى الثلاثين لاستقلالها، الذي يوافق تاريخ السادس عشر من دجنبر، وخلال السنوات الثلاثين الماضية، تحولت كازاخستان بقيادة زعيمها الرئيس الأول لكازاخستان نور سلطان نزارباييف بشكل مذهل من جمهورية هامشية في الاتحاد السوفيتي إلى عضو كامل في المجتمع الدولي، محققة خطوات متقدمة على طريق الإصلاح الاقتصادي وأصبحت نموذجا يحتذى.
عندما حصلت كازاخستان على الاستقلال في 16 ديسمبر 1991، أعلنت الدولة الفتية بقيادة نازارباييف أن مسارها السياسي الرسمي هو إصلاح العلاقات في المجتمع والدولة بهدف بناء الديمقراطية، وسيادة القانون واقتصاد السوق. وبدأت الدولة تتحول بشكل تدريجي من النظام السياسي السائد في الاتحاد السوفيتي إلى دولة جديدة تقوم على المبادئ الديمقراطية.وعلى الرغم من احتفال هذا البلد الآسيوي بذكرى استقلاله كدولة حديثة، إلا أن تاريخ شعب الكازاخ يضرب في عمق التاريخ.
لقد مرت جمهورية كازاخستان بعدة مراحل في تطورها ، حيث توصف المرحلة الأولى التي تشمل الفترة ما بين 1991 و1993 بالإجراءات الموجهة نحو دخول الجمهورية في المجتمع الدولي كعضو معترف به بالقانون الدولي، وقد أصبحت كازاخستان عضواً كامل العضوية في منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإقليمية الأوروبية والآسيوية وقد تم إبرام الاتفاقيات والمعاهدات للتعاون مع كبريات الدول في العالم.
إن المعاهدات الدولية التي وقعتها كازاخستان في السنوات الأولى من استقلالها قد تضمنت سير دخول دولتنا في المجتمع الدولي وقامت بدورها الهام في كفالة السيادة والأمن وسلامة أراضي كازاخستان، وحتى اليوم تقوم هذه الاتفاقيات بتأثيرها الإيجابي على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد، كما تجدر الإشارة إلى الوثائق القانونية الدولية ذات الأهمية التاريخية لدولتنا، وعلى رأسها المعاهدات والاتفاقيات التي حددت الاتجاهات ذات الأولوية للتعاون طويل الأمد کازاخــستان والدول الأخرى، وقد وقعت وثائق من هذا النوع مع جميع دول الكومنولث وكثير من الدول الأجنبية.
وقد تزامنت مرحلة تأسيس القاعدة القانونية للتعاون بين كازاخستان ودول المجتمع الدولي مع تشكيل الهيئات اللازمة للعمل الدبلوماسي، ففي ذلك الوقت بدأ افتتاح السفارات والقنصليات العامة والقنصليات الكازاخستانية في عواصم الدول الرائدة في العالم، كما بدأت عملها في الجمهورية البعثات الديبلوماسية لكثير من الدول وشارکت کازاخستان في عملية التفاوض بشأن توزيع الالتزامات بين ورثة الاتحاد السوفييتي السابق، وفي المقام الأول في مجال الأمن الدولي، ودخول الدولة الشابة في المفاوضات المكثفة والمسؤولة في هذا المجال.
وفي ماي 1992 عام قامت كازاخستان بصفتها واحدة من أطراف معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بتوقيع بروتوكول لشبونة وتعهدت بأن دولة غير نووية، وكانت الدول الأعضاء بيروتوكول لشبونة التي انضمت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وفي دجنبر 1994 وقعت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وبريطانيا كازاخستان مذكرة تقديم ضمانات الأمن لبلادنا والتي تتعلق بانضمامها لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير نووية، بعد ذلك تم إعطاء ضمانات من هذا النوع لكازاخستان من قبل دولتين أخريين من الدول النووية الكبرى هما الصين وفرنسا.
أما المرحلة الثانية لتطور الديبلوماسية الوطنية فقد بدأت في عام 1994 وانتهت في 1997وخلال هذه المرحلة إلى جانب بناء الخارجية واكتساب المعينة في الأعمال الدبلوماسية تقدمت إلى المقام الأول قضية تكوين آلية تأمين المصالح القومية الاستراتيجية في الخارج، وثمة أهمية بالغة في الدول المستقلة وكذلك التحركات الدبلوماسية الموجهة نحو تحقيق مبادرة نازاربایف بإنشاء مؤسسات للأمن في القارة الآسيوية.
ومنذ عام 1997 بدأت المرحلة الثالثة لتنمية السياسة الخارجية کازاخستان التي تتميز ببداية الوضع العالمي الجديد القضايا لجديدة المتكيفة هذه الحالة في الدبلوماسية، وانطلاقاً من الوقائع الجيوسياسية تم تشكيل أوليات السياسية الخارجية بعد إنجازها الهدف الرئيسي للمرحلة الراهنة واتجاهات السياسة الخارجية لکازاخستان المتضمنة في استراتيجية تنمية كازاخستان حتى عام 2030.
العلاقات المغربية الكازاخستانية
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وجمهورية كازاخستان منذ 26 ماي 1992،حيث زار الوفد المغربي برئاسة السيد مختار مصمودي عمدة مدينة مكناس لمدينة الماطي(هي أكبر مدينة في كازاخستان)، وخلالها تم توقيع اتفاقية التعاون بين مدينتي الماطي ومكناس في مجالات الثقافة والاقتصاد والرياضة والتعليم والسياحة، وفقاً لهذه الاتفاقية شارك الرياضيون من الماطي في ألعاب السلام التي جرت في صيف عام 1990 في المغرب.
في مايو عام 1992 قام الوفد المغربي برئاسة السيد عبد اللطيف ملين نائب وزیر خارجية المغرب بزيارة إلى مدينة الماطي. وفي دجنبر عام1994 شارك الوفد الكازاخستاني في أعمال القمة السابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في الدار البيضاء.وفي أكتوبر عام 2001 وبدعوة من الجانب المغربي شارك الوفد الرسمي الكازاخستاني في أعمال المؤتمر السابع الدولي لقضايا تغيير المناخ التي انعقدت في مراكش.
ومنذ ذلك الحين والعلاقات بين البلدين ممتازة، وهذا ما أكدته مؤخرا سعادة سفيرة كازاخستان بالمغرب السيدة سوليكول سيلوكيزي، في كلمة لها خلال مائدة مستديرة حول “الاستثمار والتجارة، الفرص المتاحة بكازاخستان”، عقدت بالدار البيضاء بتاريخ الخميس 9 دجنبر الجاري، وأن بلادها تعتبر المملكة أحد شركائها الرئيسيين في العالم العربي، رغم المسافة الجغرافية بين البلدين، والافتقار إلى إطار قانوني أساسي وآليات التعاون الثنائي، بالإضافة إلى القيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، فإنه في ما يتعلق بالتعاون على المستويين التجاري والاقتصادي، سجل التبادل التجاري بين البلدين تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة.
فالمغرب وكازاخستان لديهما مصالح مشتركة وإمكانات كبيرة لمزيد من تنمية العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ، بما في ذلك الطاقة البديلة و الزراعة التنمية المشتركة.
ومن خلال التعاون السياسي بين البلدين تجري محادثات بين الفينة والأخرى، كان آخرها تباحث وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المغربي، ناصر بوريطة، يوم الجمعة 30 أبريل 2021، هاتفيا مع نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية بجمهورية كازاخستان، السيد مختار تلوبردي ،أشادا خلالها الوزيرين بالعلاقات الممتازة القائمة بين البلدين، مؤكدين على أهمية الارتقاء بها إلى مستوى تطلعات الملك محمد السادس نصره الله، وفخامة الرئيس قاسم جومارت توكاييف.
وأشار بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية المغربية، إلى أن الوزيرين رحبا بقرار جمهورية كازاخستان فتح سفارة مقيمة بالرباط وتعيين أول سفير كازاخستاني مقيم بالمغرب، مما سيعطي بلا شك زخما جديدا لدينامية التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وأوضح البلاغ، أنه بعد أن سجل الوزيران الإمكانات الهائلة لتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، اتفقا على تنظيم مشاورات سياسية على مستوى وزيري الشؤون الخارجية بمجرد أن يسمح الوضع الصحي بذلك، مشيرا إلى أن السيد تلوبردي استجاب لدعوة السيد بوريطة للقيام بزيارة عمل إلى المغرب.
كما تطرق بوريطة وتلوبردي الى إمكانيات التعاون في مكافحة كوفيد-19 وتبادل الخبرات في ما يتعلق بمختلف التدابير التي اتخذها البلدان في مجال التعافي بعد الجائحة، مضيفا في هذا السياق، أن السيد بوريطة هنأ نظيره الكازاخستاني بإطلاق اللقاح الكازاخستاني (قازفاك).
وأعرب السيد بوريطة عن تقدير المغرب للموقف الواضح والإيجابي والبناء لكازاخستان ودعمها الدائم للوحدة الترابية للمغرب.
وحسب المصدر ذاته، فقد أعرب الوزير الكازاخستاني عن شكره للمغرب على انضمامه في مارس 2021 إلى المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي، التي تم إحداثها تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي، بمبادرة من كازاخستان، حيث يوجد مقرها.
وخلص البلاغ إلى أن بوريطة وتلوبردي اتفقا كذلك على تعزيز التنسيق بينهما داخل الهيئات متعددة الأطراف والمحافل الدولية.
فؤاد الغزيزر :باحث في العلاقات المغربية الآسيوية