جسّدت كاتدرائية نوتردام التي اندلع فيها حريق هائل الاثنين، مواقف مسيحيي أوروبا المتضاربة على مر التاريخ تجاه اليهود، لتبقى هذه الكاتدرائية رمزا لعاصمة الأنوار باريس.
فهذه الكاتدرائية التي تعد بالطبع معلما مسيحيا هاما وبارزا في أوروبا عامة، تعاملت عبر رسوماتها وتماثيلها مع اليهود على نحو متناقض، فتارة بجّلتهم كملوك يتحدر من أصولهم السيد المسيح، واحتقرتهم في نفس الوقت كخونة باعوه وصلبوه لقاء ثلاثين قطعة من الفضة.
وهذه الكنيسة الكاثوليكية مرتبطة أيضا بتاريخ اليهود في أوروبا ونظرة الفرنسيين تجاههم، فكما في أماكن أخرى من أوروبا، عانى اليهود في فرنسا من الاضطهاد بشكل متكرر على مدار العصور الوسطى، على الرغم من ارتباط فادي المسيحيين يسوع المسيح، بهم لجهة أصوله وتاريخ أجداده والإثنية التي يتحدر منها.
ويصور هيكل كاتدرائية نوتردام هذه المواقف المتضاربة تجاه الشعب اليهودي في القرون الماضية. وفيما يلي نظرة على الصلات غير السارة لليهود أحيانا داخل هذه الكاتدرائية .
جدة المسيح
الجزء الأكثر شهرة في الكاتدرائية هو واجهتها الغربية، مع برجي الجرسين الضخمين. في أسفل هذين البرجين هناك ثلاث بوابات كبيرة، كل منها مزينة بشخصيات منحوته من المعتقدات المسيحية وعلى البوابة اليمنى تم نحت شخصيات الوالدين اليهوديين لمريم العذراء، حنة ويواكيم.
وتم نحت العديد من المشاهد على هذه البوابة، بما في ذلك زواج حنة ويواكيم، ورفض رئيس كهنة المعبد اليهودي للأضحية التي قدمها الزوجان، بسبب عقم حنة (يمكن رؤية منصة ولفافة توراة وراءه)، زيارة الملاك ليواكيم لتبشيره بأن زوجته ستلد ابنة، وكذلك تم تجسيد ولادة حنة.
ويصور اليهود في المنحوتات التي تضمها الكاتدرائية وهم يضعون قبعات مدببة، حيث كان هذا زي اليهود المفروض عليهم بقرار ملكي في القرن الثالث عشر، أي في نفس الفترة التي بني فيها هذا الصرح الفني كوسيلة لتمييزهم عن السكان المسيحيين.
معرض الملوك
يحتل “معرض الملوك” مكانا بارزا فوق البوابات، ويضم 29 تمثالا لحكام إسرائيل القدماء الذين يعتقد بأنهم أجداد مريم العذراء.
الملوك المعروضون ليسوا بالتماثيل الأصلية في الواقع حيث تم تحطيم رؤوس التماثيل الأصلية خلال الثورة الفرنسية، لأن الثوار اليساريين اعتبروهم خطأ رموزا للملكية الفرنسية.
محاكمة القرن الـ13
جرى نزاع باريس الشهير مع اليهود واليهودية، أو ما يعرف “بمحاكمة التلمود”، في عام 1204، بعد أن ادعت الكنيسة بأن النص اليهودي يتضمن تجديفات عديدة ضد المسيح والمسيحية.
وأمر البابا غريغوري التاسع بمصادرة وحرق كل نسخ التلمود. وفي باريس أجرى الملك لويس التاسع محاكمة للنص، حاول فيها العديد من الحاخامات المدافعة عنه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل، حيث تم بعد ذلك جمع آلاف المخطوطات، وكانت جميعها مكتوبة بخط اليد وتدميرها في حريق في ميدان الإضراب (ساحة قصر بلدية باريس اليوم)، المتاخم لنوتردام.
السيدة الرمادية
كما هو الحال في العديد من الكاتدرائيات، تعرض نوتردام شخصيتي إكلسيا وسيناغوغ.
الشخصيتان النسائيتان هما تجسيد للكنيسة والديانة اليهودية ولكن في حين يتم تصوير سيناغوغ عادة بكونها بسيطة ومسحوقة ومهزومة ومعصوبة العينين للدلالة على فقدان اليهودية لأهميتها، فإنه يتم تجسيد إكلسيا على شكل امرأة مهيبة وواثقة، ويتم تصويرها عادة مع تاج وكأس ورموز مسيحية أخرى.
نسخة سيناغوغ في نوتردام معصوبة العينين بثعبان، وهناك تاج ساقط عند قدميها وفي إحدى يديها تحمل عصا مكسورة، وفي الأخرى تحمل ألواح موسى التي نقشت عليها الوصايا العشر، والتي تبدو وكأنها تكاد تقع من يدها.