قضية “تكتوكر زهيرة” بسلا.. ابتزاز رقمي يفتح نقاشًا حول أخلاقيات الشهرة الافتراضية

تعيش مدينة سلا على وقع قضية غير مسبوقة أثارت اهتمام الرأي العام الوطني، بعد أن تقدّم المواطن مراد الإدريسي بشكاية رسمية إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية ضد مؤثرة رقمية تُعرف باسم “التكتوكر زهيرة”، متهمًا إياها بممارسة الابتزاز والتشهير والتحريض والمس بالحياة الخاصة عبر بثوث مباشرة ومقاطع مصوّرة على منصة “تيك توك”.

الوثيقة التي حصلت جريدة كواليس على نسخة منها، والمؤرخة بتاريخ 30 أكتوبر 2025، تروي تفاصيل مقلقة عن استعمال المنصات الاجتماعية كأداة للضغط والانتقام. وتؤكد الشكاية أن حياة الأسرة تحوّلت إلى جحيم من الإهانة اليومية والتهديد العلني، وأن المشتكى بها استعملت الاتهامات الملفقة لتشويه السمعة، دون اكتراث بالأضرار النفسية والاجتماعية التي لحقت بالضحايا.

الأخطر من ذلك، أن الملف لم يتوقف عند حدود الإساءة اللفظية، بل شمل — حسب الشكاية — اعتداءً جسديًا على طفلة قاصر لا يتجاوز عمرها 12 سنة، وثّقته شهادة طبية رسمية صادرة عن الدكتور محمد الوكيلي بتاريخ 20 أكتوبر 2025، ما يرفع من خطورة الوقائع المبلغ عنها إلى مستوى الاعتداء المادي والمعنوي.

وتكشف الشكاية أيضًا عن معطيات ذات طابع أخلاقي خطير، منها محاولة ابتزاز المشتكي بالزواج من ابنة المشتكى بها رغم زواجه، واستعمال أساليب الضغط والتشهير لإجباره على القبول، فضلًا عن نشر مباشر لجنازة والد الأسرة المتوفى، في سلوكٍ اعتبرته الأسرة “تعديًا على حرمة الموتى ومشاعر الناس”.

كما اتهمت العائلة المعنية “التكتوكر زهيرة” بالامتناع عن أداء واجبات الكراء بعد وفاة رب الأسرة، واستغلال الموقف للبقاء في المنزل دون وجه حق، مع تحويل المأساة إلى محتوى إعلامي مثير هدفه كسب التفاعل والربح السريع.


تحليل: من المحتوى الترفيهي إلى الفوضى الرقمية

تكشف هذه القضية عن تحول خطير في ثقافة المحتوى الرقمي بالمغرب، حيث تُستعمل المنصات، التي يفترض أن تكون فضاءً للتعبير والتواصل، كأدوات للتشهير والابتزاز. فمع صعود بعض “المؤثرين” غير المؤطرين قانونيًا أو أخلاقيًا، أصبح “الترند” أحيانًا مبررًا لتجاوز القيم والكرامة الإنسانية.

ويرى مراقبون أن هذه الواقعة تطرح أسئلة عميقة حول الفراغ القانوني والأخلاقي الذي يحيط بنشاط المؤثرين، خصوصًا حين يتحول البث المباشر إلى محاكم علنية خارج سلطة القانون، وحين تُختزل الحرية في “حق الإهانة” دون مساءلة.

ويؤكد خبراء في القانون الرقمي أن مدونة القانون الجنائي المغربي، إضافة إلى قانون محاربة الجريمة الإلكترونية، يجرّمان بوضوح أفعال التشهير والابتزاز وبث المعطيات الخاصة دون ترخيص. ومن شأن هذه القضية أن تعيد فتح النقاش حول ضرورة ضبط الفضاء الافتراضي وفرض معايير مهنية على من يقدمون أنفسهم كصناع محتوى.


القانون فوق الجميع

مصادر قضائية أكدت أن النيابة العامة توصلت رسميًا بالشكاية وباشرت التحقيق، في انتظار استدعاء الأطراف المعنية واستكمال المسطرة القانونية. ويُتوقع أن تشكّل القضية سابقة قضائية في مسار مواجهة الجريمة الرقمية بالمغرب، لما تضمنته من تجاوزات تمس بالحياة الخاصة، وبقيم المجتمع وأمنه الأخلاقي.


قضية “التكتوكر زهيرة” ليست حدثًا عابرًا، بل جرس إنذار يذكّر بضرورة التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الرقمية. فالمؤثر الحقيقي ليس من يجمع “اللايكات”، بل من يصنع أثرًا إيجابيًا، لأن الشهرة بلا ضوابط قد تتحول إلى أداة تدمير اجتماعي بدل أن تكون وسيلة للتأثير البنّاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.