قصة عالمة عربية كوفئت بالجحود

مجلة أصوات

بعض من التأمل في نظام التموضع العالمي، أو ما يعرف بالـ”GPS”، يجعلنا نعي أننا أمام معجزة تكنولوجية صنعها البشر، بالنظر إلى التعقيد الذي يكتنف طريقة عمله، وقيمته في حياة الإنسان اليوم.

آلية اشتغال هذا النظام، بجانب آلية عمل البوصلة وكذا الأقمار الصناعية، تستمد اليوم من آلة قديمة تدعى الإسطرلاب المعقد.

 

الإسطرلاب هذا، ببساطة قبل أن نعود إلى التفصيل فيه، آلة فلكية قديمة، دقيقة، تُصوَّر عليها حركة النجوم في السماء حول القطب السماوي.

كانت العرب تطلق عليه “ذات الصفائح”، وإليهم ينسب هذا الاختراع في شخص امرأة!

نعم… امرأة عربية، عالمة نابغة، تدعى مريم الإسطرلابي.

اللافت في حكاية مريم، أنها على عكس العلماء من الرجال، أقران جيلها، شحت المصادر التاريخية في ذكرها، حتى أننا نكاد لا نعرف أي شيء عن حياتها.

ولدت مريم في القرن العاشر الميلادي، أثناء ما يعرف بالعصر الذهبي للعلوم الإسلامية، بحلب، شمال سوريا…

ولدت ابنة لرجل يدعى كوشيار الجيلي، كان واحدا من أهم علماء الفلك آنذاك، شرح العديد من الجداول الفلكية الحسابية، كما وضع قوانين لحركة الكواكب تعرف بها على تواريخ الشهور والأيام، وقد عمل أيضا في صناعة الآلات الفلكية.

مريم نشأت في كنف أبيها العالم إذن، الرجل الذي تعهدها بالعلم فتتلمذت على يديه وتدرجت في العلوم من الرياضيات، مرورا بالهندسة، حتى بلغت مبلغا في علم الفلك.

نبوغ علمي مكنها من العمل في مجال العلوم الفضائية بين عامي 944-967م ببلاط سيف الدولة الحمداني، مؤسس إمارة حلب.

وهذا… كل شيء!

 

اللافت في حكاية مريم، أنها على عكس العلماء من الرجال، أقران جيلها، شحت المصادر التاريخية في ذكرها، حتى أننا نكاد لا نعرف أي شيء عن حياتها.

إجحاف يبرره البعض بضعف الدولة الإسلامية آنذاك وبداية تفككها وانحدارها، ما أسهم في تواري الإنجازات العلمية للعرب والمسلمين بشكل عام، في حين لا يجد البعض الآخر سببا معقولا لهذا التجاهل سوى أنها… امرأة.

حظي اختراع مريم بأهمية بالغة لدى المسلمين لأنه استخدم في تحديد اتجاه القبلة بدقة وتحديد مواعيد المناسبات الدينية، بما فيها مواعيد الصلاة والصيام والإفطار والحج، وبدايات الشهور الهجرية، فضلا عن غايات كثيرة أخرى.

الأكيد أنه، وبالنظر إلى أن الإسطرلاب آلة دقيقة غاية في التعقيد تحتاج إلى عمليات رياضية متعددة، لا بد وأن مريم كانت على درجة عالية من النبوغ.

الواقع أن الإسطرلاب، بصفته آلة، تعود حكاية وجوده إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إذ أشير إليه في بعض الرسائل الإغريقية. لكنه، وهنا مربط الفرس، لم يكن بنفس الشكل والأداء الذي بات عليه مع مريم، مع أن تحسينات كثيرا أدخلت عليه قبل ذلك.

ذاك الذي اخترعته مريم وطورته يدعى “الإسطرلاب المعقد”، وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يُظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد، وقد رسمت على وجهه السماء بحيث يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه.

 

أسهمت هذه الآلة في حل مشكلات فلكية عديدة. وقد كان علماء الفلك وميسورو الناس يحملونها كساعات جيب… ففي حين كان بعضها ضخما يصل قطره إلى أمتار عدة، كان بعضها بحجم صغير يسهل حمله.

كان يُمكّن هؤلاء حينذاك من قياس ارتفاع الشمس في السماء، ومن ثم تقدير الوقت بدقة، إن في النهار أو الليل.

الإسطرلاب، بصفته آلة، تعود حكاية وجوده إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إذ أشير إليه في بعض الرسائل الإغريقية. لكنه، وهنا مربط الفرس، لم يكن بنفس الشكل والأداء الذي بات عليه مع مريم، مع أن تحسينات كثيرا أدخلت عليه قبل ذلك.

لكن، لماذا حظي اختراع مريم بأهمية بالغة لدى المسلمين آنذاك وبعد ذاك؟

استخدم الإسطرلاب في تحديد اتجاه القبلة بدقة… كان ذلك لدى هؤلاء ضروريا بعدما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية.

تحديد قبلة الصلاة بدقة غيض من فيض يضم تحديد مواعيد المناسبات الدينية، بما فيها مواعيد الصلاة والصيام والإفطار والحج، وبدايات الشهور الهجرية، فضلا عن غايات كثيرة أخرى.

تم استخدامه أيضا في أغراض الملاحة البحرية، وقد كان استخدامه غاية في الأهمية إلى حدود القرن الثامن عشر الميلادي.

اقرأ أيضا: 8 مارس، ماذا تحققَ على صعيدِ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص…؟

كل هذا كان وليد قريحة امرأة…

المرأة التي ما زال البعض لا يخجل من وصفها بـ”ناقصة العقل”!

امرأة سورية منذ باكر التاريخ الإسلامي إذن شكلت حلقة مهمة في سلسلة تطور علم الفلك، ومن ثم تقدم الحضارة البشرية إلى ما أصبحت عليه اليوم.

كل هذا وكثير من الجحود يعتري ذكر سيرتها، فقليل منا حدث وأن صادف اسمها، لولا أن العظماء لا يخلدون فقط بأسمائهم… إنما بصنيعهم أساسا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.