في ذكرى المسيرة الخضراء جلالة الملك يقطع الشك باليقين أن لا تفاوض حول مغربية الصحراء و أن لا لونا رماديا في قضية المواقف
لإعلامي المتخصص “م – ع”
وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، خطابا ساميا انتظرته مختلف وسائل الإعلام العالمية ، ارتباطا بالتطورات المتسارعة التي تمر منها القضية الوطنية الأولى و المنطقة، لكنها و كالعادة حملت عدة رسائل لم تخرج عن السياق العام الأصلي للسياسة المغربية التي يتبناها المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك “محمد السادس” نصره الله و أيده، و القائمة على ثلاثة عناصر أساسية، أولها التشبث بالقضية الوطنية و عدم التفريط أو المساومة في أي شبر من صحرائنا، الثاني التشبث بقيم السلم و حسن الجوار و التعاون الإيجابي لخدمة مصالح الشعوب في الطمأنينة و السلام، و الإيمان بدور المنتديات القارية و الدولية و مساعيها لإيجاد مخرج سياسي للأزمة في إطار الوحدة الوطنية القائمة على مقترح الحكم الذاتي باعتباره خيارا سياسيا واقعيا لا محيد عنه .
و الخطاب الملكي في تفاصيله العامة حمل عدة رسائل أساسية يمكن اختزالها في تسعة رسائل محورية عريضة تدور كلها حول القضية الوطنية الأولى للمملكة و المغاربة.
فالخطاب الملكي ، الذي ألقاه جلالته بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، مباشرة مساء يوم السبت 06 نونبر الجاري، حمل من خلاله جلالة الملك أول رسالة محورية تتعلق بمغربية الصحراء و قطع الشك باليقين فيها بأن لا أحد يجادل في ذلك الواقع، و أن لا تفاوض حول مغربيتها و أنها غير قابلة للجدال و النقاش.
و هي الرسالة المحورية الأهم في هذا الخطاب معتبرا أن “هذا التوجه يعزز بشكل لا رجعة فيه، العملية السياسية، نحو حل نهائي ، مبني على مبادرة الحكم الذاتي ، في إطار السيادة المغربية” و أن “لا تفاوض للمغرب على صحرائه. ومغربية الصحراء لم تكن يوما ، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات”.
الرسالة الثانية، تحدثت عن التضحيات الجسام التي بدلها و يبدلها أفراد القوات المسلحة الملكية في الدفاع عن وحدة الأرض و الإنسان ، و الدور الذي لعبته في إعادة الأمن و الاطمئنان للحدود الوطنية و للإنسان المغربي و الإفريقي من خلال الضرب على أيدي المرتزقة في معبر الكركرات دفاعا عن الأرض و الإنسان.
أما الثالثة فكانت موجهة للموقف الأمريكي الداعم للقضية الوطنية و المعترف بمغربية الصحراء و أهمية هذا الاعتراف من موقع أن الأمر يتعلق بدولة عظمى هي الأولى في العالم ، و أن اعترافها بوحدة المغرب على كل أراضيه الصحراوية، شكل تحولا كبيرا في مسار دفع و توجيه القضية الوطنية نحول تحولات إيجابية لفائدة الطرح المغربي، مشيرا جلالته إلى أن جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكم كانت تدعم مغربية الصحراء، وهذه الرسالة من وجهة نظرنا تحمل الكثير.
حيث قال جلالته “نعتز بالقرار السيادي، للولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه. وهو نتيجة طبيعية، للدعم المتواصل، للإدارات الأمريكية السابقة، ودورها البناء من أجل تسوية هذه القضية”.
و قطع جلالته الشك باليقين القطعي بأن لا تفاوض على أي شبر من الصحراء وأن مسألة مغربتيها غير قابلة للتفاوض أو المساومة، و أن جميع المفاوضات التي جرت و تجري و ستجري هي في إطار البحث عن حل سياسي سلمي للملف المفتعل و هي الرسالة الرابعة المانعة و الجامعة التي لخصت الموقف المغربي الثابت و الراسخ.
و توجه جلالته برسالة خامسة موجهة لأصحاب اللون الرمادي ، أي أصحاب المواقف الغامضة ، محذرا إياهم من أن المملكة المغربية لن تتعامل معهم على أي مستوى بما في ذلك المستوى الاقتصادي والتجاري ، و هو موقف عكس تحولا حازما تجاه مجموعة من الدول التي تلعب على الحبلين سواء ضمن دول الاتحاد الأوروبي أو شمال إفريقيا.
حيث قال جلالته ” نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية ” .
و في المقابل طالب جلالته في رسالة سادسة من الدول الصديقة و الشقيقة بمواقف أكثر جرأة فيما يتعلق بدعم قضايا المغرب الأساسية و أهمها قضية الصحراء المغربية، مشيرا إلى “أن افتتاح أكثر من 24 دولة، قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، يؤكد الدعم الواسع، الذي يحظى به الموقف المغربي، لا سيما في محيطنا العربي والإفريقي. وهو أحسن جواب ، قانوني ودبلوماسي ، على الذين يدعون بأن الاعتراف بمغربية الصحراء ، ليس صريحا أو ملموسا”.
مضيفا بقوله “من حقنا اليوم ، أن ننتظر من شركائنا ، مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهي مواقف ستساهم في دعم المسار السياسي ، ودعم الجهود المبذولة ، من أجل الوصول إلى حل نهائي قابل للتطبيق” .
و فيما يتعلق بالمحاور الأساسي في كل القضايا المرتبطة بملف الصحراء المغربية فقد حسمه جلالته في رسالة سابعة مفادها أن المنتخبين بطريقة ديمقراطية في الأقاليم الجنوبية، هم الممثلون الحقيقيون و الشرعيون للصحراء ولساكنتها ، مضيفا جلالته “أننا نتطلع أن تشكل قاطرة لتنزيل الجهوية المتقدمة، بما تفتحه من آفاق تنموية، و مشاركة سياسية حقيقية” ، و مشددا على أن قضية الصحراء ” هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة. و هي قضية كل المغاربة . وهو ما يقتضي من الجميع، كل من موقعه، مواصلة التعبئة واليقظة، للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية، وتعزيز المنجزات التنموية والسياسية، التي تعرفها الأقاليم الجنوبية” .
و توجه جلالة الملك في رسالة ثامنة و بلغة الوضوح إلى شعوب شمال إفريقيا، متمنيا لهم التقدم والازدهار على حد تعبير جلالته، وهي رسالة تضم في طياتها العديد من الإشارات و التي حملت الكثير من التطورات في الخطاب السياسي لأن جلالته و على عكس الخطب السابقة توجه إلى الشعوب المغاربية و على الخصوص الشعب الجزائري و لم يوجه خطابه إلى السلطة القائمة في الجزائر.
أما الرسالة التاسعة التي حملها الخطاب فتعلقت بالورش التنموي الكبير الذي تشهده الأقاليم الجنوبية من المملكة و التي عكست سياسة البناء إلى جانب سياسة التحرير
مشيدا بالتطورات الإيجابية ، التي تعرفها قضية الصحراء ، و التي تعززت من خلال مسار تنموي متواصل و شامل ، تشهده الأقاليم الجنوبية، لافتا إلى أن هاته الأقاليم تعرف نهضة تنموية شاملة ، من بنيات تحتية ، ومشاريع اقتصادية واجتماعية، و أنه و بفضل هاته المشاريع ، يضيف جلالته، أصبحت جهات الصحراء ، فضاء مفتوحا للتنمية والاستثمار ، الوطني والأجنبي، مشيدا جلالته بالشراكات الإيجابية التي تربط المغرب بمجموعة من البلدان و المؤسسات حيث قال صاحب الجلالة “لدينا (..)، شرکاء دوليون صادقون، يستثمرون إلى جانب القطاع الخاص الوطني، في إطار من الوضوح والشفافية، وبما يعود بالخير على ساكنة المنطقة” .
موقف عكس تحولا استراتيجيا في السياسة الخارجية المغربية عنوانه الصرامة و رفض التسامح أو التساهل مع أية حبة رمل من صحرائه و أن زمن غض الطرف عن المواقف المعادية قد ولى .
و الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها و التي انتظرتها وسائل الإعلام العالمية و على الخصوص الجزائرية ، فجلالة الملك لم يعط إجابة مباشرة على الاستفزازات الجزائرية و لكنه قدم آراء قطعية بأن كل الخيارات ممكنة دفاعا عن حوزة التراب الوطني الذي لا تفريط فيه، و أن الصرامة في التعاطي مع القضية الوطنية الأولى و تصفيف العلاقات انطلاقا من المواقف المعلنة اتجاه هاته القضية سيشكل مدخلا للتعاطي ليس مع الجزائر فحسب بل مع الدول ذات المواقف الرمادية في إشارة إلى اسبانيا و المانيا و تونس .
و وقوفا على الذكرى و الغايات المستقاة من الاحتفال بها سجل جلالة الملك، أن هاته المواقف و الورش التنموي المفتوح في الصحراء المغربية هي الإجابة العملية عن الارتباط بالوطن الأم و أن “ذلك خير وفاء لقسم المسيرة الخالد، ولروح مبدعها، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وكافة شهداء الوطن الأبرار”، كما وجه جلالته تحية إشادة وتقدير، لكل مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، والإدارة الترابية، والوقاية المدنية، على تجندهم الدائم، تحت قيادة جلالته، للدفاع عن وحدة الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره.
مع تجديد الالتزام “بالخيار السلمي، وبوقف إطلاق النار، ومواصلة التنسيق والتعاون، مع بعثة “المينورسو”، في نطاق اختصاصاتها المحددة” ، معربا عن دعم المملكة المغربية للأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، ولمبعوثه الشخصي، و عن دعم المغرب الكامل للجهود، التي يقوم بها، من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية، في أسرع وقت ممكن، داعيا إلى ضرورة الالتزام بالمرجعيات التي أكدتها قرارات مجلس الأمن، منذ سنة 2007 ، والتي تم تجسيدها في اللقاءات المنعقدة بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، موضحا جلالته أن المغرب “إنما يتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي ، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل” .