اتصالات خليجية مكثفة لتهدئة الأوضاع بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل

تقع الدول الغنية بموارد الطاقة في الخليج العربي على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية من حيث أُطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت /الأحد باتجاه اسرائيل. وتمكّنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيّرات.

إزاء هذا الوضع المتفجّر في المنطقة، يرى مراقبون أن دول الخليج تدرك تماماً أن هذا الصراع مضرّ بأعمالها ومصالحها وأنه يتوجّب تجنّب اتساع رقعة النزاع مهما كلّف ذلك من ثمن.  

بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، طالبت السعودية في بيان التزام أقصى درجات ضبط النفس ودعت مجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ السلم في هذه المنطقة البالغة الحساسية لأنه في حال تفاقم الأزمة سيكون لها عواقب وخيمة.

كذلك أجرى قادة دول الخليج اتصالات دبلوماسية مكثّفة، حيث تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وأجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني محادثة مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حول “ضرورة خفض كافة أشكال التصعيد وتجنّب اتساع رقعة الصراع في المنطقة”، بحسب بيان للديوان الأميري.

وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي يوم الإثنين في 15 نيسان/ أبريل اجتماعًا استثنائيًا في هذا الصدد.

تصاعد الأزمة ليس في مصلحة الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية

وضع التصعيد الأخير الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للدول النفطية الستّ التي يستضيف أغلبها منشآت عسكرية أميركية. ويعتمد تحقيق أهداف خططها الباهظة الكلفة والرامية لتنويع اقتصاداتها، على ضمان السلام والأمان لازدهار الأعمال والسياحة في مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، هي أكثر الدول الخليجية إنفاقًا في هذا المجال، إذ استثمرت مئات مليارات الدولارات لبناء مدن جديدة ومعالم ترفيهية ضمن خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة تعرف باسم “رؤية 2030” أطلقها ولي العهد، فإن التصعيد يضرّ بمصالحها ويجهض جهودها الحثيثة في السنوات الأخيرة لتسوية الأوضاع مع جيرانها وأولها إيران.

في هذا الصدد، يقول المحلّل السعودي المقرّب من الديوان الملكي علي الشهابي إن “الأولوية القصوى بالنسبة للسعودية هي عدم تصاعد الأزمة”.

ويوضح أنه في حال تعرّضت إيران لهجوم، قد “تميل طهران إلى الردّ في دول مجلس التعاون الخليجي نظرًا لقربها الجغرافي منه وكثرة الأهداف التي يصعب حمايتها”.

وسبق أن تعرّضت السعودية والإمارات بين 2019 و2022 لهجمات شنّها الحوثيون المدعومون من إيران في خضمّ نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.

ويضيف الشهابي “أدركت إيران للتو مدى صعوبة استهداف إسرائيل الواقعة على بعد آلاف الأميال، لكن دول مجلس التعاون بقربها وحجمها الهائل مقارنة بإسرائيل، هي قصة أخرى”.

ولعلّ استئناف الرياض علاقاتها مع طهران عام 2023 بعد قطيعة طويلة، أمرٌ ينعكس إيجابا على المملكة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى الاعتراف بإسرائيل، كما فعلت الإمارات والبحرين.

لكن حرب غزة عرقلت جهود الوساطة الأميركية للتوصل إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

ويقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية عمر كريم “ستضغط السعودية بالطبع على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وعدم الردّ على الهجمات الإيرانية”.

خيارات الدول الخليجية تبقى محدودة في حال استمر النزاع

على خطّ موازٍ، تبقى سلطنة عُمان المقرّبة من الجمهورية الإسلامية، وسيطًا أساسيًا، وكذلك قطر التي تقيم علاقات جيّدة مع كلّ من الولايات المتحدة وإيران أدت إلى التوصل الى اتفاق لتبادل سجناء بينهما وتحويل أرصدة كانت مجمّدة لطهران عام 2023.

بالنسبة إلى قطر حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط على أراضيها وهي قاعدة “العُديد” لن تسمح على الأرجح، يرى خبراء، أن تستخدم الولايات المتحدة أراضيها لشن هجمات على إيران، مما يصعّب فعلياً على واشنطن مساعدة إسرائيل في أي ضربة هجومية داخل إيران.

مع العلم أن واشنطن جدّدت تأكيد دعمها “الصارم” لإسرائيل، لكنها أعلنت في الوقت نفسه أنها لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي ضد إيران، بحسب المحلل السياسي عمر كريم، الذي يعتبر أن أي تدهور إضافي في الأوضاع لن يترك خيارات جيدة لدول الخليج.

فكلّما انتهى الصراع باكراً، يقول كريم، كلما كان ذلك أفضل لهذه الدول التي تقع على مفترق طرقٍ بين إيران وإسرائيل.

ويضيف الخبير في السياسة الخارجية السعودية عمر كريم، أن “الصراع يخلق بشكل متزايد توازنًا إقليميًا جديدًا للقوى مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى. وتكافح دول الخليج من أجل المكانة والتأثير السياسي”.