فاس: الحاجة إلى إعلام مسؤول في ظل الأجندات السياسية
بقلم: الأستاذ م. ع
تُعد مدينة فاس، بنكهتها الثقافية والعلمية، واحدة من أبرز المعالم التاريخية في المغرب. فقد برزت كمركز للعلم والمعرفة منذ العصور الوسطى، حيث أسست الجامعات والمعاهد العلمية التي جلبت طلاباً من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن التغيرات السياسية والإدارية التي شهدتها المدينة في السنوات الأخيرة، وما صاحبتها من تصاعد للأجندات السياسية، قد دفعت الكثيرين للتساؤل عن مستقبل الإعلام في فاس ودوره في دعم المجتمع.
تشير الأنباء إلى أن الإعلام المحلي أصبح في بعض الأحيان وسيلة لخدمة مصالح سياسية معينة، خاصة مع اقتراب الانتخابات. هذه الأوضاع ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخماً أكبر في الآونة الأخيرة. فتح مقرات سياسية وتوظيف الإعلام كأداة دعائية بدلاً من كونه منصة لنقل الحقيقة ومناقشة القضايا الكبرى، يثير القلق بشأن مصداقية الإعلام وتأثيره على الوعي العام.
إن العاصمة العلمية بحاجة ماسة إلى إعلام حاد ومسؤول، قادر على تناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية بشفافية وموضوعية. فالمشاكل المتعددة التي تعاني منها المدينة، بما في ذلك الفساد الإداري وسرقة المال العام، تحتاج إلى تقارير دقيقة وتحليلات شاملة. هذه القضايا لا تقتصر فقط على السياسات المحلية، بل تمتد لتشمل تأثيراتها على حياة المواطنين اليومية، وبالتالي فإن دور الإعلام يصبح محورياً في نشر الوعي وتحفيز الجماهير للمطالبة بالحقوق والمساهمة في الإصلاح.
تجدر الإشارة إلى أن المجتمع المدني في فاس قد أظهر روحاً من الريادة والنشاط، حيث بدأت مجموعة من المنظمات غير الحكومية والناشطين في العمل على تطوير الحركة الاجتماعية والسياسية في المدينة. لكن، دون دعم من إعلام مهني يُكرّس جهوده لتسليط الضوء على القضايا المهمة، ستبقى هذه الجهود محصورة في دائرة ضيقة. فالصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها أداة قوية قادرة على التأثير في قرارات المجتمع وتحقيق التغيير الإيجابي.
إن المسؤولية هنا تقع على عاتق الإعلاميين أنفسهم، فالمطلوب هو تعزيز قيم النزاهة والشفافية والمصداقية، والتحلي بالشجاعة لتناول المواضيع الحساسة. فالإعلام في فاس، بدلاً من أن يكون أداة للتمويه أو التضليل، يجب أن يسعى إلى أن يكون صوت المواطنين، معبراً عن آمالهم وطموحاتهم.
ختاماً، إن فاس، المدينة التاريخية العريقة، تحتاج إلى إعلام يتجاوز التوجهات السياسية الضيقة ويركز على القضايا التي تهم المجتمع. فقط من خلال إعلام مسؤول ونزيه، يمكن للمدينة أن تستعيد مكانتها كمنارة للعلم والثقافة، وأن تساهم في بناء مستقبل أفضل لأبنائها.