أضحت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة جزءا من حياة الناس مثل الماء والهواء، وغدت هذه الوسائل من تلفزة، إذاعة، إنترنت، صحافة ورقية وإلكترونية، فضائيات وغيرها ذات تأثير قوي في صناعة الفرد، والموجه الأول لفكره واعتقاداته، وذلك لأثرها الكبير على تربيتنا وثقافتنا كما انه لا يمكننا الحديث عن إعلام حقيقي دون حرية، ودون توفير الإمكانات للقيام بهاته المهام العظيمة والجليلة وأداء الرسالة على الوجه المطلوب والأمثل.
فلكي يكون الإعلامي عينا راصدة لتفاصيل المجتمع دائدا عن قضايا البلاد الوطنية الكبرى ومساهما في تحقيق التنمية ومقدما الرأي النصوح، اعتمادا على عين راصدة وبموضوعية ورسالة سامية لخلق الإنسان الذي هو الرأسمال الحقيقي لتحقيق التنمية، لا بد من توفير إمكانيات الإبداع والعطاء، ولن يتأتى ذلك في ظل معاناة طويلة يعيشها الإعلامي وتعيشها المقاولات الإعلامية مع انتشار سياسات المحاباة على حساب الهم الإعلامي الحقيقي والفعلي، وتحول جهاز الدولة بالتالي وفق هذا المنطور إلى ثقافة”البوز” وتسييد التفاهة التي لا تبني وطنا ولا تصلب عود مؤسسات، ولا تحمي قلاع الدولة من هجمات تمس أركانها.
وغير خاف الدور الذي يلعبه الإعلام بشقه العام، والإعلام البديل على الخصوص والإمكانات التي يوفرها في وقتنا الحاضر عبر كل مواقع التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الأخبار عبره، وأهميته في الدفاع عن قضايا الشعب ومشاكله وقضايا الوطن الكبرى، والذي يجب أن يكون سدا منيعا تجاه كل ما يسبب الإضرار بالمجتمع من عادات سيئة، وتنقيته من كل الشوائب التي تعطل مسيرة الوطن أو تستهدف أمنه واستقراره أو تهدد وحدته الترابية أو المجتمعية والسياسية.
لكن وموازاة مع هاته المهماة الكبرى التي يؤديها الإعلام، فصحافة اليوم تواجه تحديات وتهديدات جسيمة منها أساليب الترهيب والاعتداء المباشر ضد الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، وتهديدهم المباشر أو المبطن، عبر اتهامات بنقل الخبر الزائف كصورة، ولكن الهدف الفعلي هو قتل كل الآراء التي تعري واقع الفساد وتنير سبيل الدولة وتوجهها للاختلالات المسجلة والتي لا يمكن للمسؤولين رصدها، لتشكل قاعدة انذماج مع المؤسسات الوطنية والديمقراطية من أجل البناء عبر تحطيم كل أدوات الهدم.
وبطبيعة الحال فأدوات الهدم لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستحاول تقييد كل هاته الأصوات من خلال ملفات تقذف يمينا ويسارا من أجل إسكات صوت الحقيقة الذي يعلو حتما ولا يعلى عليه، مهما حاولت أدوات القتل إصابته بمقتل.
المفروض صياغة عقد إعلامي مؤسساتي يضمن سلامة الصحافيين ويمنح الحماية التامة لهم أثناء ممارستهم لمهامهم ليس على مستوى التشريعات فقط بل أيضا على مستوى تمكين الإعلام الوطني الديمقراطي من الوصول إلى ما يساعد على بناء الدولة والمؤسسات القادرة، والاهتمام بالعنصر البشري الإعلامي اعتراف بدور وأهمية هذا الإعلام في تصحيح الاختلالات ومساهمته الكبرى في التنمية والدود عن الوطن بالقلم وما يسطر إلى جانب أبطال قواتنا المسلحة الملكية المرابطين في التخوم لحماية أمنه وسلامه، لكن هاته الحماية لن تتأسس في ظل وجود أدوات الهدم الداخلي التي لا تقل خطورة عن أعداء الخارج.
الواقع المعاش يؤكد أن الإعلاميين في ظل واقع الأزمة الخانقة التي تلمسناها مع إطلالة عيد الأضحى المبارك تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أنه لا يمكن لإعلامي يعاني ويبحث عن ثمن الخروف أن يؤدي دوره الوطني في البناء في ظل عطالته الذاتية وعجزه عن تلبية الحد الأدنى من متطلبات عيشه وأضحيته وتعليم أبنائه وضمان استقراره مع أسرته.
هاته الوقائع نسردها لنقل معاناة هي حديث الإعلاميين في المقاهي خلال هاته المناسبة الدينية في ظل غياب أي دعم يذكر لا من قبل المؤسسات الرسمية ولا من الجهات القريبة من الشأن الإعلامي.
وهنا نفتح قوسا أمام هاته الحالات الصادمة الذراماتيكية التي يعيش تحت وطأتها الإعلاميون، ونطرح سؤالا لمدراء المقاولات الإعلامية ونقول لهم، كفى من تبخيس العمل الإعلامي وتحويله إلى قادورات وبقايا الطعام الممنوح بعد أن تمتلئ بطون الرأسمال، فهل يعقل أن تتم تغطية ندوات ومهرجانات وأنشطة متنوعة ونشر البلا غات وتنزيل أشرطة الفيديو عبر المواقع أوعبر قنوات اليوتوب بدون مقابل، أو بالفتات من بقية الطعام الممنوح.
المطلوب الصحوة وتوحيد الصف على قاعدة فرض احترام المهنة وإعطاءها المكانة التي تستحقها، وتلميع صورة الإعلام والمقاولات الإعلامية المبخسة على الأرض من قبل البعض، المطلوب الاتفاق الموحد على سعر للتغطيات الإعلامية ونشر البلاغات وتنزيل الفيديوهات ….، مع تحديد وتوحيد السعر، كمدخل لإحياء المقاولات المقتولة، ولكي لا نرى مثل هاته الحالات الإنسانية حيث الإعلاميون عاجزون عن شراء خروف عيد فما بالك مجابهة كل مشاكل الحياة اليومية والأسرية.
وهنا نقول لا نريد صدقات ولا علاوات، ما نريده هو الكرامة أولا، ورد الاعتبار للمهنة التي كان يضرب لها ألف حساب قبل أن تتحول مع سيادة نوع من العقليات إلى لغة استجداء وطلب الفتات، فذهب الإعلام بما فيه وأصبح مرتعا للقاذورات، وللأسف الشديد فبعض أرباب المقاولات ساهموا في تسييد هاته الوضعية، ولن نتحدث عن الآخرين لأنهم مرتاحون في ظل هذا الوضع المتعفن الذي يمكن أن يشتروا فيه الصمت بالفتات من الدريهمات.
إن تجاوز هاته العقليات والسلوكات هي المدخل للبناء ولتحقيق الكرامة التي فقدت والتي جعلتنا في حالات معينة نتسحيي من إعلان الانتماء للجسم الإعلامي، ولن ندخل في كشف المستور فكل شيء واضح والحر بالغمزة يفهم، وهو الأداة المثلى لضمان استقالية الجسم الإعلامي الفعلي ليصبح خادما للمجتمع وللوطن.
فعار أن نعيش في وطن يهان فيه إعلاميوه ولا يجدون فيه حتى ثمن شراء أضحية العيد، لكن المطلوب أكثر الوعي بجوهر المشكل وعمقه لأنه من الممكن أن يتمكن الإعلامي من شراء الأضحية لكنه لن يتمكن من ضمان الكرامة ولا ضمان الاستدامة في تحقيق الجزء الأدنى من العيش الكريم بدل ما نراه اليوم، يجب التوحد لمواجهة سطو مافيا تنتسب للجسم على كافة مناحي المشهد واستفادتها من كافة الامتيازات، والتي لن تتكسر ما دام بقية القوم من الإعلاميين حبيسي البحث عن الفتات في المزابل، نقولها من موقع الغيرة والاحساس بالسقوط الذي وصل إليه المشهد الإعلامي الذي أصبح عاجزا عن حماية نفسه، فكيف يمكن الحديث عن حماية الدولة والمؤسسات والحقوق الخاصة والعامة.