عيد الأضحى في تحليل الباطني

رأى النبي  إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام. ففهم من خلال الرؤيا أن عليه تنفيذ العمل الذي رآه.  وربما كانت لديه قرائن عرف بها أن الرؤيا حقيقية وليست نزغا من الشيطان أو حديث نفس. فسعى إلى تنفيذها حرفيا… لكن  الإنقاذ الإلهي تم  في آخر لحظة  وفدى الله إسماعيل بذبح  عظيم، فحمل الحيوان  الثقل الذي كان سينوء بحمله الإنسان .

وقد كان بوسع النبي إبراهيم – لو شاء فرصة  للتفلت من الواجب- أن يتعلل بعدم الفهم وانتظار التأكيد الإلهي، بدعوى أن الرؤيا فيها ضرر ظاهر، وفيها شيء غير معقول  لا يتناسب  مع روح الشريعة وأهدافها ومقاصدها، وربما كان  مضمونها رمزيا  غير  حقيقي وغير حرفي الخ ..لكنه لم يفعل.. بل سارع إلى التنفيذ بعد استشارة ابنه المعني بالأمر، ليبرهن على تعظيمه لله وتصديقه اللامشروط  لكل ما يصدر عنه من رؤى وأوامر.

الحق  أقول لكم..إنني أدركت أن إبراهيم عليه السلام اجتاز اختبارا صعبا قد ينهار المرء نفسيا قبل أن يفكر في تنفيذ مضمونه وخصوصا إذا طلب منه أن ينفذ  الأمر بيده لا بتفويض  لأحد. فليس من دون سبب أن يكون  خليل الرحمن . بل إن بعض أهل الكشف والمشاهدات يقولون إن إبراهيم في حقيقة الأمر عبارة عن أمة تجمعت وتجلت في شخص واحد.. ويرون أن الآية التي تقول: “إن إبراهيم كان أمة قانتا” (النحل .120) يمكن أن تفهم على الحقيقة كما تفهم على المجاز. وبالتالي فإنه – حسب بعض المجتهدين – يسهل على شخص يحس في أعماقه بأنه “أمة” وليس شخصا فردا، أن يضحي بولد  صغير خرج من صلبه.. لكن هذه  نظرية غير  ملزمة، سقناها  لمجرد الاستئناس…

ولقد  لاحظ  ريدولف شتاينر – في الضفة الأخرى – “أي في العلوم الباطنية  المسيحية ” أن أسماء  الأنبياء والرسل الواردة في التوراة والإنجيل لا تعبر عن أشخاص وأفراد بل تعبر عن مجموعات بشرية بالدرجة الأولى. فيكون “إبراهيم” حسب هذا الفهم  عبارة  عن مجموعة بشرية تحكمها “روح جماعية”واحدة  في الباطن اسمها “إبراهيم “.  ويقال نفس الشيء عن “نوح” و”موسى” وجميع الأنبياء والرسل… لكن ليس هذا ما يعنيه المسلمون المتصلون بالباطن عندما يقولون إن إبراهيم كان أمة. بل يعنون – على وجه التحديد – أن هناك شخصيات (في القرآن والتوراة والإنجيل) ذات حقيقة باطنية أو غيبية، بحيث تتشكل من مجموعة من الشخصيات “الثانوية” أو  “الفرعية”. وسموا هذه الظاهرة بـ “الجزئية”، واعتبروها من أهم وأخطر  مباحث الباطن بحيث لا يخوض فيها  سوى البالغين من أهل الكشف والمشاهدات. بل إنهم حاولوا فهم مسألة “المهدي المنتظر” ومسألة “الدجال” على ضوء هذه الجزئية كما سنوضح في فرصة قادمة بحول الله …

يستنتج الشيخ عمران حسين من قصة إسماعيل أو الاختبار الذي خضع له هذا النبي الكريم أن العرب مهددون بالمحن وربما بالفناء في آخر الزمان . فهم ذرية النبي إسماعيل الذي كان على شفا حفرة من الموت وكان على وشك أن يكون قربانا.. بحيث ينطبق عليهم ما ينطبق عليه من قوانين ويحيط بهم ما أحاط به من أخطار وفتن. ويدعم الشيخ عمران حسين قوله هذا بأحاديث نبوية تتوعد العرب بمشاكل في آخرالزمان قبل قيام الساعة كحديث

” ..وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، أَظَلَّتْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَظَلَّتْ ، وَاللَّهِ لَهِيَ أَسْرَعُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْفَرَسِ الْمُضَمَّرِ السَّرِيعِ  الخ “…

وحديث:   “يوشك أن تداعى عليكم الأمم  من كل أفق  كما تتداعي الأكلة على قصعتها … الخ ..

ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل  عما إذا  كان بالإمكان أن يفتدي العرب أنفسهم كما افتدي ( بضم التاء وكسر الدال) جدهم إسماعيل  إذا ما عرفوا  كيف يمحون  ديون الكارما (الإتنية)  وكيف يطورون قوى النور ويستخدمونها ضد قوى الظلمات والسحر ، وكيف يشغلون ويحيون خطهم الباطني الذي انطفأ وتوقف عن الاشتغال وهو الخط  الباطني الأخضر ؟

أما عمران ميكائيل أيفانهوف الزعيم السابق لجمعية الأخوية البيضاء الكونية (الباطنية النزعة)  فهو ضد ذبح الحيوان بإطلاق سواء كان ذلك  لأكل لحمه أو لأجل تقديمه كقربان لله.. ولا يفتأ يكرر في كتاباته وخصوصا كتاب : “يوغا   التغذية”  أن   قتل  الإنسان للحيوانات  هو سبب  العدوانية  والشراسة  البشرية وهو  سبب انتشار  الحروب بين الأفراد والأمم والمجتمعات وانتفاء  السلم  والتعايش في العالم.. بمعنى أن اعتداء  الإنسان على الحيوانات وتناوله للحومها، له فعالية باطنية  تجعل الإنسان يتغير داخليا  ويصبح عنيفا وشرسا فيقتل أخاه الإنسان ببرودة وبلا هوادة  وكأنه يؤدي ثمن الخطأ الذي اقترفه إزاء الحيوانات. أو كأن “عدوى” الشراسة والعدوانية تنتقل إلى نفسه وعقله..

والحل ، طبعا ،يتمثل في الكف عن  قتل هذه المخلوقات و الكف عن تناول لحومها  التي تجعل المزاج حادا وعدوانيا….

لكن الفهم الإسلامي للموضوع  له مبرر آخر مفاجئ .. فالمسلمون المتصلون بالباطن  يقولون إن بيننا وبين الحيونات  نوعا من “التعاقد الروحي”  الذي لا يدركه عامة الناس، بحيث يلتزم الحيوان بأن  يقدم لنا لحمه  وجلده وعظمه وكل ما هو مفيد في جسمه، مقابل أن نؤدي عنه نحن ما لا يستطيع تأديته بالجسد (من سجود وتسبيح) .. فنسجد محله لله،  بما أنه لا يستطيع السجود ظاهريا جسديا.. ونسبح بلساننا  القادر على النطق ونذكر اسم الله  نيابة عنه بما أن تسبيحه وسجوده يتمان بطريقة أخرى كما تفعل سائر المخلوقات (كالأشجار والنجوم ) ..

وهكذا  يكون  كل واحد من الطرفين :(الإنسان والحيوان) قد وفى بوعده وأرضى الطرف الآخر، وسهل له مهمته ، وانسجم مع القوانين الروحية والكونية.

بل إن هذه النظرية تطال سائر الحيواناتوالنباتات التي سخرها لنا الله وجعل لنا فيها  دفءا  وغذاء  وطاقة وجمالا  ومنافع  مختلفة  .فعباداتنا وإن كانت لله،فإنها كقوة وطاقة تخترق سائر المخلوقات المحيطة بنا بما أننا حملنا الأمانة كما جاء في القرآن .. وعلينا أن نلاحظ أن الملائكة والجن يعبدون الله هم أيضا، ولم يقل القرآن إنهم حملوا الأمانة، وأن نستنتج بالتالي أن  الأمانة ليست هي “العبادة” كما  زعم كثير من كتب التفسير في دائرة الفكر الإسلامي، وإنما هي “وظيفة أخرى”أو “مسؤولية أخرى” مجهولة، مرتبطة بالعبادة، وتخص الإنسان وحده من  دون الجن والملائكة. فقد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها  وحملها الإنسان الظلوم الجهول،الذي فوجئ بالتزاماتها الصعبة  بعد أن وقع على العقد.
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” (الأحزاب 72).

ولا بد أن أتوقف – في هذا المنعطف-  عند فكرة  وردت في موقف أيفانهوف وهي:  تأثير تناول اللحوم الحيوانية على مزاج الإنسان. فأقول : ربما أمكن إيجاد انسجام بينها  وبين مضمون الحديث النبوي الشريف : “من أكل اللحم أربعين يوما  قسا قلبه “.هذا مع تسجيل الفرق على مستوى الحل المعطى.. فأيفانهوف يؤكد على ضرورة المنع  النهائي لقتل الحيوان. أما الدين الإسلامي  فيؤكد على ضرورة  التقليل من تناول اللحم ، وعلى  ضرورة احترام الانسان للشروط  الروحية  التي تجعل قتل الحيوان ينفع ولا يضر، وتجعل تناول لحمه لا يؤدي إلى قسوة القلب.  كيف يؤدي الجن المسلمون شعيرة  عيد الأضحى ؟ هذا سؤال وجيه يهم كل متدين.. ولكي نطرحه بطريقة واضحة نقول:  هل يذبح الجن حيوانات بمناسبة  العيد  كما  نفعل نحن ؟ أم أنهم يقومون  بعمل ما مكافئ للنسك البشري ؟

يقول بعض المتصلين  بالباطن إن الجن  لهم تفاعل طاقوي مع دم  الأضاحي التي يقدمها  البشر.  ومن خلاله يؤدون نسك  عيد الأضحى . فهم يستخدمون الطاقة النورانية المتصلة بالدم  ويطورون بها النور  على طريقتهم الخاصة بهم  والتي تتناسب مع طبيعة  خلقتهم  وخطوطهم الباطنية.. وكذلك يفعلون مع الأضاحي والهدي التي تقدم في الحج والعمرة .. وبالتالي فهذا يؤكد أن الإنسان حمل الأمانة  وأن  القوى المتصلة بعباداته ومناسكه وشعائره  تتفاعل مع  قوى المخلوقات الأخرى المحيطة به، بما أن الله  تعالى سخر له  مافي السماوات والأرض جميعا منه، وجعله مسؤولا عن محيطه الطبيعي. أي بما أنه متواجد في وسط الدائرة يتصل بكل الخيوط  والخطوط  ويتحكم في  لوحة القيادة…

هل توجد في الدم قوة أخرى غير ظاهرية، وغير ما ذكرته لنا  الكيمياء المعاصرة ؟

نحن نعلم من خلال الفقه الإسلامي أن الدم نجس. فلماذا سيكون مرتبطا بنور  أو نحوه؟
أول جواب يأتينا من خلال تجارب العالم الياباني  “ماسارو إيموتو” التي أثبتت أن الماء يحس بانفعالاتنا نحوه  ونحو المحيط، وتنتظم  بلوراته  في  أشكال هندسية مختلفة تتناسب مع الإحساس بالشكر  أو الغضب  أو المحبة أوالكراهية  الخ… وبعبارة أخرى:  فإن الماء كائن حي ، واع، متفاعل مع محيطه، له ذاكرة قوية  ودقيقة بحيث يسجل تجاربه و”خبراته” إن جاز التعبير ، ويحفظ عن ظهر قلب أشكال مسالكه وأسفاره  التي يقوم بها داخل الأنابيب، ويصاب بما يشبه أمراضا وعقدا وتوترات نفسية وأنواعا من التعب، ويشفى منها بواسطة  إجراءات خاصة يعرفها  الباحثون في هذا المجال.

ولا ننس أن الماء هو  أحد المكونات الأساسية للدم . فلا بد أن يكون دم الأضحية -على الأقل بوصفه ماء-  حاملا  للمشاعر الإيمانية الإنسانية والتقوى التي ركز عليها  القرآن في معرض حديثه عن الأنعام:

” لن ينال  الله لحومها ولا دماؤها  ولكن يناله  التقوى  منكم.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.