تجلس وحيدة على رصيف الوطن، وما أكثر الجالسين بهذا الرصيف، الذي لم يجرأ يوما على طرد اللاجئين إليه، الفارين من قسوة الحياة وبؤسها.
يحتضن الجميع، كانوا نساء أو رجالا، شيوخا أو شبابا، كأنه يحس بالوجع الذي يمزق أحشائهم، وبالألم الذي يعتصرهم، وبالآهات التي تقطن داخلهم، والتي تأبى الخروج. كأنها تعلم أن صداها لن يجد أذانا صاغية بباب المسؤولين. الذين أضاعوا حقيبة المسؤولية في رحلة الحياة.
صورة قاسية لعجوز، جار عليها الزمن، تواجه قساوة الحياة وحيدة، ينخرها البرد ويفتك بها، لا غطاء لها، سوى لحاف السماء الوطن الكبير. والذي لم تجد به هذه “العجوز” سريرا، تريح عليه جسدها النحيف، بعد معركة ضارية مع الحياة، هي أدرى منا جميعا بتفاصيلها.
صورة تطرح علامة استفهام كبرى، حول ما جدوى الشعارات التي تعرفها الحكومة، إذا كانت ستبقى حبيسة مكاتبهم الدافئة؟
كما تطرح علامة تعجب، وما أكثر العجب، حول دور المجتمع المدني، إن كان غائبا. وما له عذر في ذلك، أما إذا كان لا يعلم، فتلك طامة كبرى، وعذره أقبح من الزلة نفسها. المجتمع المدني في -جزئه الكبير- الذي يعلم بتوقيت زيارة الوزراء، فيستعد ويرتدي أفخم ثيابه، لمصافحة وتقبيل المسؤولين، وبقية القصة معروفة…لكن حين يتعلق الأمر بعجوز تبيت في العراء، فإنهم غائبون. وللغياب دلالة.
يقول “عمر العسري” لجريدة “أصوات”، أنه التقى السيدة موضوع نقاشنا، وهي تفترش الرصيف بمدينة أزرو. يضيف، أنها طلبت منه أن يأخذ بيدها صوب مستشفى “20 غشت” بذات المدينة.
يستطرد مصدر جريدة”أصوات”، أن السيدة تسمى “لكبيرة باكو”، كانت نزيلة بدار العجزة بأزرو، قبل أن يتم طردها، بعدما مورس عليها العنف الجسدي واللفظي بالدار نفسها. على حد قول المصدر.
يقول ذات المتحدث، أن السيدة “لكبيرة” طردت من دار العجزة، بعد اتهامها بتدخين الحشيش، والاضطراب النفسي. وهو ما يطرح السؤال العريض، هل تمتلك دار العجزة طبيبا نفسيا مختصا، شخض الحالة النفسية للنزيلة؟
وإذا كان الجواب بنعم، فلماذا لم يتم نقلها إلى أقرب مستشفى مختص بالأمراض العقلية والنفسية بناء على تقرير الطبيب النفسي؟
وإذا كان الجواب بالنفي، فمن هذا العبقري الذي انتحل صفة طبيب نفسي، ليشخص حالة تندرج ضمن تخصص يسمى بالطب النفسي؟ حتى الطب العام، لا يستطيع أن يفتي في الموضوع.
ننقل لكم صرخة “لكبيرة”، لعلها تجد أذانا صاغية. تسمع أهات امرأة عجوز، وجب التدخل العاجل لإنصافها، إحقاقا للعدل. حالة إنسانية لا يجب استثمارها سياسيا، أو المتاجرة بألأمها، بل وجب على مسؤولي “أزرو” التدخل العاجل لوضع حل لحالتها.
حالة “لكبيرة” تتكرر في كل مدينة من مدن الوطن، في غياب أي مبادرة حكومية أو مدنية، وفي عجز تام للجان التي يتم إحداثها بمبالغ مالية ضخمة، تستنزف خزينة الدولة، وتحلب الميزانية حلبا كبيرا، بدون أدنى فائدة مرجوة.