شباب مثقف وكفاءات في مهب الريح.. حين تفشل الحكومة في صناعة المستقبل

بقلم: الأستاذ محمد عيدني

بقلم: الأستاذ محمد عيدني

فعلاً، لم يعد واقع الشباب المغربي يحتمل المزيد من التسويف أو الخطابات المكرورة التي فقدت بريقها. فالأرقام تتحدث بوضوح، والشوارع تشهد يومياً على حجم الإحباط الذي يعيشه جيل كامل، جيل يمتلك من الطاقات الفكرية والعملية ما يكفي لدفع عجلة التنمية، لكنه يجد نفسه مكبلاً بسياسات مرتجلة ووعود فضفاضة لم تغادر يوماً منصات التصريحات الرسمية.

إن أخطر ما يواجهه المغرب اليوم ليس فقط العجز الاقتصادي أو اختلالات الحكامة، بل نزيف الثقة لدى شبابه. فحين يشعر الطالب المتفوق، والمهندس الخريج، والطبيب الباحث، أن جهوده تضيع في الفراغ، وحين يتيقن أن مستقبله مرهون بالزبونية أو الحظ العاثر، عندها يتحول الإحباط إلى جرح مفتوح لا تلتئم آثاره بسهولة.

لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في بلورة سياسة شمولية للشباب، فبقيت البرامج المعلنة حبراً على ورق، وبقيت الطاقات الشابة رهينة الانتظار. فلا رؤية متكاملة تدمج التعليم بسوق الشغل، ولا استراتيجية تستثمر في الثقافة والفن والرياضة كأدوات لصناعة مواطن متوازن، ولا حتى قنوات حقيقية تُشرك الشباب في القرار السياسي وصناعة السياسات العمومية.

وما النتيجة؟ شباب مثقف يهاجر بعقله وموهبته إلى ضفاف أخرى، ليصنع المجد خارج وطنه. كفاءات تلمع في مختبرات أوروبا، في جامعات أمريكا، وفي شركات التكنولوجيا العالمية، بينما الوطن الأم يستنزفه نزيف الأدمغة ويعاني فراغاً في مراكزه الاستراتيجية. أي مفارقة أقسى من هذه؟

إن مسؤولية الحكومة اليوم ليست في ابتكار شعارات جديدة بقدر ما هي في الاعتراف الصريح بالفشل، والجرأة في صياغة بدائل واقعية تنقذ ما يمكن إنقاذه. فالمستقبل لا يُبنى بالشعارات، بل بإرادة سياسية تجعل من الشباب أولوية حقيقية، لا مجرد ديكور في الحملات الانتخابية.

إن إنقاذ الشباب من مهب الريح ليس ترفاً سياسياً ولا خياراً يمكن تأجيله، بل هو معركة وجود، تحدد مصير الوطن لعقود قادمة. فإذا استمرت الحكومة في تجاهل هذا الملف المصيري، فإن الخسارة لن تكون للشباب وحدهم، بل للوطن كله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.