سليمان الريسوني في مرمى الانتقادات: تناقضات صادمة بين الكذب والجهل

مجلة أصوات

من يطالع الحوار الصحفي الذي أجرته صحيفة الكترونية مغربية مع سليمان الريسوني، يخرج بقناعة مؤداها أن هذا الأخير “سقط في كثير من التناقضات الصارخة التي تتأرجح بين فرضية الكذب ومتاهات الجهل وترجيحات الغباء “!

 

فلا يمكن لشخص يزعم أنه “كان أول صحفي عربي يلج ليبيا في زمن الثورة”، وأنه أول من ابتدع عبارة “الانقلاب الشعبي في مصر”، وأنه “من ثلة الصحافيين الذين تجولوا بين ميدان التحرير وساحة رابعة العدوية بالقاهرة”، ومع ذلك يجزم بأنه يجهل الصحفي الإسباني فرانسيسكو كاريون الذي قضى أكثر من عشر سنوات وستة أشهر مراسلا بالقاهرة لعدة منابر إسبانية!

 

ولعل ما ينسف مزاعم سليمان الريسوني هو أن إقامة فرانسيسكو كاريون بالقاهرة تزامنت مع زيارة سليمان الريسوني لمصر في زمن الانقلاب على محمد مرسي وعلى نظام الإخوان بمصر! بل إن هذا الصحافي الإسباني كان معروفا وقتها بمخالطاته وارتباطاته المشبوهة مع ما يسمى بوكالة الأنباء المستقلة التي كانت تخدم دعاية الانفصاليين وميليشيات البوليساريو!

 

وتبقى الحالة الوحيدة التي يمكن أن نصدق فيها بأن عدم معرفة سليمان الريسوني بفرانسيسكو كاريون هي ناتجة عن “الجهل” وليس عن الغباء أو الكذب، هي تصديق فرضية أن سليمان الريسوني كان يعلق على أحداث “رابعة العدوية” من غرفة فندقه البعيد في منطقة الزمالك، من فرط الجبن والخوف، وذلك على عكس باقي الصحافيين الأجانب بمن فيهم الصحافيات المغربيات الصنديدات اللواتي كن يشتغلن في قنوات عربية وقتها.

 

وأيا كان منطلق سليمان الريسوني في إنكار علاقته بالصحافي الإسباني فرانسيسكو كاريون، سواء أكان ذلك من منطلق الكذب أو الجهل أو الغباء، فإن منشورات هذا الأخير في السنوات الأخيرة، بما فيها تلك الصادرة حتى قبل اعتقال الريسوني، تفي بالغرض وتفضح حقيقة فرانسيسكو كاريون المناوئ للقضايا المصيرية للمغاربة.

 

 

فهذا الصحافي الإسباني كان أول من زار مخيمات تندوف مباشرة بعد أحداث الكركارات، وهو الصحفي الإسباني الوحيد الذي هاجم سلطات بلاده ووكالة “إيفي” والقنوات الرسمية الإسبانية بدعوى “امتناعها عن نقل الحرب ضد المغرب التي تعلنها البوليساريو في بلاغات الأقصاف الوهمية”!

 

وفرانسيسكو كاريون هو من هاجم المغرب بشدة في مزاعم “التجسس بواسطة نظام بيغاسوس”، وهو من نشر الأكاذيب والأراجيف حول صحة الملك محمد السادس، وهو أيضا من تبنى أطروحات البوليساريو الرامية لقطع أوصال المغرب وبلقنة إقليمه الموحد.

 

فقد كان حريا بسليمان الريسوني أن لا يتغابى على مشاهدي حواره مع الصحفي هشام العمراني، وأن لا يفترض فيهم الجهل، لأن الخروج في حوار مع صحفي أجنبي يفرض أولا البحث عن خلفية هذا الصحفي، وبيان توجهاته، ومعرفة الخط التحريري لموقعه الإعلامي!

 

وهذه الإملاءات الاشتراطية حددها سليمان الريسوني بنفسه عندما كان يتحدث عن ماضيه “الصحفي”! فقد قال بأنه قدم طلبا لاستجواب الرئيس السوري بشار الأسد مصحوبا بسيرته الذاتية ومؤهلاته! وهنا نفتح قوسا بسيطا لنسأل سليمان الريسوني سؤالاً استنكف عن طرحه هشام العمراني في معرض استعراض السيرة الذاتية لمحاوره.

 

 

فهل حدد سليمان الريسوني في سيرته الذاتية المقدمة في طلب استجواب بشار الأسد: بأنه غير حاصل على شهادة الباكالوريا؟ وأنه برح مقاعد الدراسة من المستوى الأول ثانوي؟ وهل كتب في طلبه بأنه كان مستخدما في جماعة ترابية في أدنى السلالم الوظيفية بالمغرب، مع احترامي لهؤلاء المستخدمين والأعوان والذين لا يعتبرون “موظفين” إلا في إطار المفهوم الموسع للموظف في القانون الجنائي، وذلك عندما يرتكبون أفعالا يعاقب عليها القانون.

 

 

وهنا يمكننا أن نفهم لماذا رفض بشار الأسد وغيره “الظفر” بشرف الحضور في جلسات الحوار مع سليمان الريسوني! فالشواهد الجامعية، وإن كانت لا تعكس دائما المستوى الحقيقي لصاحبها، إلا أنها ضرورية في إثراء السيرة الذاتية، وقد تتحول أحيانا إلى عقدة جامحة للأنا المتضخمة عند البعض.

 

 

وما دمنا نتحدث عن تجاذبات الجهل والكذب والغباء في تصريحات سليمان الريسوني، دعونا نصحح بعض المفاهيم لهذا الأخير. فأعضاء الفريق الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، ليسوا قضاة حكم، مثلما أن الآليات والمساطر الخاصة للأمم المتحدة لا تعتبر محاكم ولا هيئات قضائية!

 

 

فهؤلاء الأعضاء هم مستشارون يتم انتدابهم لمدد معينة، وليسوا “من خيرة قضاة العالم” كما خرج يطري سليمان الريسوني، بل حتى أنهم ليسوا بالضرورة قضاة مهنيين، لأن أغلبهم يتم ترشيحهم من المعاهد الأكاديمية والجامعات وهيئات المحامين الوطنية، ومناقشاتهم لا تكون تواجهية، كما أن قراراتهم لا تعتبر أحكاما ولا مقررات ملزمة للدول وإنما هي أراء استشارية.

 

 

لكن “مستوى” سليمان الريسوني باعتباره “أول صحفي تتماهى مع قضيته الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية”، سوف يبرز بشكل موغل في البساطة حتى لا نقول شيئا آخر، هو عندما ادعى بأن “الآراء الاستشارية للآليات الخاصة للأمم المتحدة تسمو على القوانين الوطنية، مستشهدا بمقتضيات الدستور”!

 

 

 

وهنا لا بد من تنوير الرأي العام من غبش هذا الكلام غير الصحيح الذي روج له سليمان الريسوني بكثير من الجهل القانوني والدستوري. فما يسمو على التشريعات الوطنية هي “الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة”، والتي لا تدخل ضمنها الآراء والمواقف الدولية كما حاول التدليس على القراء سليمان الريسوني!

 

 

 

وإمعانا في التوضيح كذلك، وتنويرا لسليمان الريسوني حتى لا يبقى في موضع الجاهل، فإن المادة 713 من قانون المسطرة الجنائية، وهي التي كانت واجبة التطبيق في قضيته، تنص على أن الأولوية تكون حصريا “للاتفاقيات الدولية” على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي مع الدول الأجنبية، دون ذكر الآراء الاستشارية والمواقف الدولية مثلما زعم ذلك سليمان الريسوني بسذاجة بالغة.

 

 

 

كانت هذه شذرات فقط من كثير من التناقضات ومظاهر الجهل التي صدح بها حوار سليمان الريسوني للصحافة، والتي يمكن تخصيص حلقات متواترة لتسليط الضوء عليها، تعميما للفائدة من جهة، وكبحا لجماح “السلوقية” الشاردة والمنفلتة من سليمان الريسوني من جهة ثانية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.