سبحان الله يا وزير الثقافة والشباب والاتصال، الدستور الذي يرعاه صاحب الجلالة هو الأصل وليس فتاويك ولا شطحات مستشاريك في الثقافة
ما وقع خلال الأيام الأخيرة من تضييق الوزارة الوصية على الممارسة الصحافية من خلال مجموعة من القيود لمنع المقاولات الإعلامية من حقها في انتداب من ينوب عنها في تغطية أحداث وطنية في إطار الدبلومسية الإعلامية وما هو مخول لها دستورا، باعتبارها سلاحا فتاكا ليس للتعريف بالقضايا الوطنية بل هدم الدعايات التضليلية او الحملات التي تستهدف الدولة والمؤسسات، أمام عجز الدبلوماسية الرسمية عن القيام بهذا الدور الذي يقوم به
عاهل البلاد أعزه الله ولوحده، والذي مكن من تحقيق اختراقات دبلوماسية كبرى، في المقابل نجد أن أصحاب النعش المسؤول عن الثقافة والشباب والاتصال، يضعون القيود في وجه الممارسة الإعلامية كتعبير عن تحول هاته المؤسسة الوزارية إلى نوع من الديكتاتوية التي تغرد خارج سرب المؤسسة الملكية والدستور باعتبارهما أساس توازن الأمة المغربية والضامنة لاستقرارها وأمنها العام.
فوزارة الثقافة والشباب والاتصال يجب أن تعي بأن دورها ليس شرطي رقابة، كما كان في الزمن الغابر الذي ذهب بلا رجعة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم مقام السلطة القضائية التي لها الصلاحيات القانونية والدستورية في استقلالية عن المؤسسات الأخرى في منح الشرعية للمقاولة الإعلامية، وهي من لها الحق في طلب البطاقة المهنية التي تبقى مجرد بطاقة خدمات ليس إلا، لأن الأصل في الشيء هو حرية التعبير التي لا تحتاج لبطاقة لا ممنوحة من الوزارة الوصية ولا من المجلس الوطني للصحافة.
وما يجب أن يعيه السيد الوزير ومستشاره في الثقافة أن الدولة لها أسس ومؤسسات وضوابط دستورية، وأن الصحافة في بدايتها كانت تعبيرا عن الرأي قبل أن تتحول إلى الإخبار، كما أن البطاقة متضمنة في الترخيص الذي تمنحه السلطة القضائية المخول لها ممارسة حق الترخيص أو المنع، وليس الوزارة ولا سدنتها من أنصار المعبد.
ربما سقط السيد الوزير وطاقمه الاستشاري في عباب وهم الحقيقة، واعتقد كما في الأساطير القديمة امتلاك الحقيقة، فأحرق نيرون روما ليرى عظمته، فالأوضاع الهشة التي تعيشها البلاد تقتضي المزيد من تعميق الحريات لا خنقها تنفيسا للشعب عن الدواخل ولو من باب التعبير عن الرفض بالتأفف، وأن الخنق لا يقابل إلا بالتمرد.
سؤال لوزير الاتصال: هل كتابة كتاب فكري أو أدبي يتطلب بطاقة مؤلف؟
إن ما مورس هو ديماغوجية مقيتة لا تم بصلة إلى الأعراف الديمقراطية ولا إلى الحقوق والحريات كما نص عليها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعهود الملحقة التي صادق عليها المغرب، وهنا نسائل السيد الوزير ومستشاريه، هل كتابة كتاب فكري أو أدبي يتطلب بطاقة مؤلف، إنه الهزل الذي وصل إليه المشهد السياسي المغربي، والذي يدعو للشفقة في ظل انتظارات شعب بتحسن معيشه اليومي، وضمان شغل يضمن له لقمة عيش وكسوة وتطيبيب وتعليم … الخ من الحقوق الأساسية، ليواجه، في لغة السيد الوزير ومستشاره في الثقافة، بلغة المنع والتكميم التي لا يتحدثها إلا العميان عن التعاطي مع حقيقة واقع متحرك ومتغير لا يقبل الخنوع لسلطتي “الطابو” و”الطوطم” في مجال الحريات الأساسية التي لا تطالب لا بزيادة في الأجور ولا بتحسين الدخل الفردي، بل بطلب بسيط هو التعبير عن الرأي ونقل المعاناة الفردية والجماعية بلا منع ولا تضييق كما مورس في الرباط.
إن الممارسة المهنية ضمن مهنة المتاعب لا يمكن أن تستقيم إلا في فضاء الحرية لتجويد المشهد الإعلامي وتجاوز واقع السقوط الذي يعيشه، والذي تتحمل الوزارة المسؤولية الأولى في جعله قاعدة، فيما الاستثناء يهاجر للعمل ضمن مؤسسات إعلامية أخرى خارجية توفر له المطلوب وتدعمه ماديا ومعنويا، فالحرية وتجاوز العرقلة الإعلامية هو الشرط الأساسي لبناء إعلام وطني ديمقراطي منفتح وقادر على كسر كل المؤامرات التي تستهدف الوطن، ليس في نوع من المصالحة مع سنوات السبعينيات فقط بل مع الذات، والمدخل الوعي بالأزمة وخطورتها وإيجاد حلول توسع ممارسة الحريات، لتساهم الصحافة من موقعها الاساسي ليس في نقل الأخبار بل في بناء رأي عام وطني ديمقراطي مؤمن بالاختلاف ومجسد له سلوكا فرديا ومؤسساتيا، وعكس الصورة الجميلة لواقع انغراسها في المجتمع.
مسؤولو وزارة الاتصال تجاوزوا الدستور كفعل Acte وتشبتوا بالحالة الخامة، Etat، وفق تصنيف “سارتر”
ينظر سارتر في كتابه «الوجود والعدم»، وفي حواره مع “بيير نافيل”: المعنون ب «الوجودية نزعة إنسانية» للوجود الإنساني باعتباره فعلا acte وليس حالة état – فهو يرى أن الوجود الإنساني ليس حالة خاما أو جامدة، بل هو عبارة عن سيرورة يختار فيها الإنسان في كل لحظة تاريخية ما يريد أن يكون عليه، ويرفض فيها ما هو عليه، بينما الحيوان ظل محافظا على عاداته، وسلوكاته وتصرفاته، لأنه مبرمج، ولا يملك الملكة التي نتفوق عليه بها وهي العقل؛ وهذا ما يقصده سارتر في قوله إن الوجود الإنساني فعل وليس حالة خاما.
وفي اعتقادنا أن ما مارسه مسؤولو الوزارة عكس حالة خامة، Etat، ولم يعكس فعل Acte، لأن المنطق يقول، أن الدستور هو اتفاق جماعة، ضمنها المؤسسة الملكية التي رعت دستور 2011، وأنزلته للاستفتاء الشعبي، ليصبح بذلك قاعدة عمل دولة ومؤسسات، Acte، والحال أن تعاطي السيد الوزير ومسؤولي وزارته هو مع حالة انفعالية لا أسس للدستور ولا للمواثيق الدولية التي ألح الدستور المغربي على ضرورة استحضارها في ما قام به.
دستور 2011 واضح في ديباجته ولا يحتاج لشطحات لتعويمه
فالفصل 28 من الدستور يقول إن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”، وهو نص واضح لا يخضع لاجتهاد ويمنع كل شكل من أشكال تقييد هذا الحق.