الإعلامي المتخصص “ع – م”
بالعاصمة العلمية، وبالضبط بجماعة أولاد الطيب، المنطقة التي عرفت عدة تحولات بفعل حسن الإدارة والتدبير من طرف رجل سياسي أدارها بحنكة العالم بخبايا المنطقة ومكنون العشق الذي يلازم ارتباطه بها، حتى تحولت بفعل هاته شبقية الانتماء من قرية مهمشة إلى منطقة سكنية مجهزة صالحة للبناء، ليقفز معها ثمن المتر الواحد من الأرض من لا شيء درهم إلى 4000 درهم.
فقد عاشت جماعة أولاد الطيب على وقع احتجاجات و مظاهرات حول مطالبات وجهت لرئيس الجماعة، قد تكون شرعية أو لا شرعية، ذاك خاضع لتقديرات أولي الشأن، و لكن ما يهم في هذا المقال و ما يدفع لفتح نقاش جدي، هو الشكل الممارس مع ربطه بالقانون المنظم لأشكال الاحتجاجات في الأماكن العمومية، وأول ملاحظة يمكن تسجيلها هي عدم قيام السلطات العمومية بمهامها، إذ لم تتعامل مع هاته الوقفة بالحزم المطلوب بل كيفتها وفق منطقي الربح و الخسارة، و هو ما يدفعنا إلى طرح سؤال حول حضور هاته السلطات ومعيار تحديد تدخلاتها، فهي تعمد إلى منع وقفات احتجاجية بل أنها في بعض الحالات تفض هاته الوقفات من خلال مقاربة أمنية صارمة، و تارة أخرى تتجاوب مع هاته الوقفات، مبررة الإنزال الأمني بحماية المتظاهرين، وهو الأمر الذي يجعل هيئات إعلامية وطنية ومنظمات حقوقية تصنف تعامل الدولة مع هاته الوقفات من منظور مزاجي و غير مفهوم، مع العلم أن السلطات مطالبة بحكامة أمنية تراعي المقتضيات الدستورية و القانونية.
إن ما نراه بجماعة أولاد الطيب، هو شكل منظم للنزول سياسي العمق وليس مطلبيا كما يمكن أن يتوهمه البعض، وما يعكسه هو توالي الحملات الدعائية حتى المفبركة منها بغاية المساس بالتجمع الوطني للأحرار كحزب قبل “رشيد الفايق”.
فما شاهدناه في شريط الفيديو، وعبر صفحات الفضاء الأزرق، كشف لنا حقيقة تلك النوايا التي تعتمر صدور أصحاب هاته الأشرطة والتدوينات.
فخطورة الموقف تكمن في كونها تأتي عقب الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، التي أفرزت عبر صناديق الاقتراع فوزا ساحقا لتيار سياسي معين وتحالفا قويا هز أركان بيت الحرس القديم، الذي لم يستسغ السقوط فبدأ في حبك المؤامرات، وآخرها الوقفة الاحتجاجية، في ضرب للقانون وللدستور ولهيبة العملية الانتخابية برمتها، لأن صناديق الاقتراع حسمت الفوز لفائدة ممثلي حزب التجمع الوطني للأحرار، وأعطت بالتالي أغلبية دستورية يتزعمها “رشيد الفايق”.
الواقع على الأرض يقول عكس هاته النزلات لأنها ليست المرة الأولى التي يحضى فيها “رشيد الفايق” ليس بالعضوية فحسب بل برآسة المجلس الجماعي، وما أغضب الحرس القديم هو انكشاف وتعري كل السموم التي حاولوا أن يسقوه من مرارتها إلا أنها لم تجد نفعا لتمنطق صاحب الحق بمنطق الشعب الذي أوصله للمسؤولية، وعمله على الأرض وخدمته لمصالح الساكنة واعتزازه بالانتماء للثقافة “العروبية” التي يتجذر منها وفيها.
القانون المنظم للتجمهر والتظاهر واضح إذ بالعودة للظهير رقم 1.58.377 المتعلق بالتجمعات العمومية نجد الفصل الأول منه في الفقرة الأولى تقول إن الاجتماعات العمومية حرة، ورغم أن الظهير يتعلق بالتجمعات إلا أن المشرع وضع كلمة الاجتماعات!!!! وفي الفترة الثانية سيعرف المشرع الاجتماع العمومي كما يلي: يعتبر اجتماعا عموميا كل جمع مؤقت مدبر ومباح للعموم، وتدرس خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محددة من قبل.
نستشف من هذا التعريف شروط التجمع العمومي وإذا اجتمعت كلها نكون أمام اجتماع عمومي: جمع مؤقت ومدبر ومباح للعموم ودراسة مسائل وفق جدول أعمال محدد.
ويلاحظ أن المشرع المغربي أحجم عن تعريف التظاهر والتجمهر. بينما يعرف الفقه المظاهرات العمومية على الشكل التالي:
“المظاهرات العمومية هي المواكب والاستعراضات، أو تجمعات الأشخاص، وبصورة عامة جميع التظاهرات التي تجري على الطريق العمومي”.
والتجمهر بكونه “تجمع عدواني أو هائج لأشخاص بصفة عفوية وغير متوقعة بالطريق العمومي، أو بأي مكان عمومي أو مكان خصوصي مفتوح في وجه العموم يخل أو قد يخل بالأمن العمومي”.
من خلال ما سبق نلاحظ أن الدستور المغربي باعتباره أسمى قانون في الدولة قد أكد على ضمان الحقوق كغاية، ثم القانون كوسيلة لضمان هذه الحقوق، وربط بين أمن المجتمع من جهة وحرية أفراد هذا المجتمع من جهة أخرى.
كما أن دستور سنة 2011 قد نص في فصله السادس على أن:
“القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.
وبالنظر لما جاء في الفصل 37 من الدستور الذي ينص على:
“على جميع المواطنات والمواطنين، احترام الدستور، والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق، والحريات، التي يكفلها الدستور، بروح المسؤولية، والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق، بالنهوض بأداء الواجبات”.
كما أننا نجد مقتضيات دستورية أخرى في الفصل 29 في فقرته الأولى تؤكد على أن:
“حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات”.
كما أن الفصل 22 من الدستور ينص على أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية”.
أن تخوض في السياسة معناه أن تكون على قدر كبير من المسؤولية وصاحب ضمير وقضية، وأن تكون المبادئ هي أساس الممارسة، و ليس الخطابات الرنانة التي هي ذات أهمية لكنها ليست أهم من التطبيق الواقعي الذي ينهض بالدولة و يصلح أساسها و يقف أمام كل من يهدد أمنها و سلامتها، و حسب ما هو متعارف عليه فإن “رشيد الفايق” قائد يستغل قوته و حنكته لمصلحة الوطن في المقام الأول، و قبيلته في المقام الثاني، و همه الوحيد و شغله الشاغل هو راحة المواطنين إرضاء لضميره، و حسب قوله “العطاء لا يأتي و السياسة تحتاج لنفس طويل”، و زاد قائلا “إنني رجل أؤدي الحقوق و الواجبات ملتزما بالعقيدة، و لم أومن يوما أن حب الإنسان و تعلقه بأرضه هو خالص لوجه الله والوطن و الوطنية، بل تأكدت أنه مهما بلغ حب الإنسان لعمله، فإنه في نظر الآخرين يخدم مصالحه الشخصية، فهاته النظرة مزروعة بالفطرة الإنسانية، فأنا لا أطبق مبدأ اعطي لتأخذ، بل أبحث دائما، و الله شاهد على ذلك، على مكونات الخلل لأصلحه، و أشتغل دائما بضمير حي، ولا أسمح لأي كان أن يقصر في حق المواطنين الأبرياء، فالوطن لم يكن يوما مربوطا بالسياسة والسياسيين فقط، بل الوطن مربوط بالشعوب، و الشعوب هي الوطن، إذا علينا أن نؤمن بأننا إن أردنا أن ننهض بأوطاننا علينا أن ننهض بأنفسنا.
وإذا ربطنا الأحداث بعضها ببعض نجدها كل لا يتجزأ فتوالي المؤامرات التي تستهدف التجمع الوطني للأحرار في فاس لا تنفصم عن الأحداث اتي عرفها الشارع الفاسي والشعارات التي رفعت فيه، والتي جعلت الأعداء يسوقونها ضد القضية الوطنية الأولى.
هكذا يوجه الجهل وبلا وعي في خدمة مصالح وأجندات خارجية، وهنا خطورة الوضع الذي يجب على السلطات القضائية والأمنية الانتباه إليه لدرء الخطر قبل اتقاده، ضمانا للحقوق والواجبات في سياق الدستور واحترام تفاصيله ومقتضياته، وتحمل الأجهزة الأمنية المختلفة لمسؤولياتها في كل المواقع ضد كل من يحاول إسقاط هيبة الدستور، لأننا سنكون حينها أمام مشهد القرابين التي تقدم لإثارة النزوات والفتن وتشييع سلطة الدعشنة واستثمار فضاء الحريات لقتل الحرية، وهنا مربض فرس خطورة الاستهداف.