توفي صباح الأحد في مستشفى بالعاصمة المغربية، المحجوبي أحرضان، أحد الوجوه السياسية البارزة في المغرب، عن عمر ناهز 100 سنة، بعد معاناة مع المرض.
والراحل زعيم سياسي مغربي أمازيغي، عاصر ثلاثة ملوك (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، وجمع بين السياسة والفن التشكيلي وكتابة الشعر والرواية. شارك لمدة قصيرة في الحرب العالمية الثانية ضابطاً في الجيش الفرنسي، ثم التحق بالمقاومة وجيش التحرير، واختط لنفسه مساراً سياسياً حافلاً، سواء إبّان فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، أو بعد مرحلة الاستقلال، مساهماً في تاريخ البلاد بحضوره خلال محطات حكومية وسياسية كبرى، وهو من مؤسسي حزب «الحركة الشعبية» بعد استقلال المغرب، بمعية الراحل عبد الكريم الخطيب.
تقلد المحجوبي أحرضان وظائف حكومية عديدة، حيث عيّن والياً على الرباط بعد الاستقلال مباشرة. وأصبح أميناً عاماً للحركة الشعبية أثناء مؤتمرها الثاني في مراكش عام 1962. وشارك في ثماني حكومات، ومن بين المناصب التي تقلدها وزير الدفاع في أول حكومة شكّلها العاهل الراحل الحسن الثاني ما بين 1961 و1964، وفي آب/ أغسطس 1964، عين وزيراً للفلاحة ثم وزيراً للفلاحة والإصلاح الزراعي في حزيران/ يونيو 1965.
كما عين ما بين شباط/ فبراير 1966 وآذار/ مارس 1967، وزيراً للدولة مكلفاً بالدفاع الوطني. وفي 1 آذار/ مارس 1977، عين وزير دولة وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس السنة، عين وزير دولة مكلف بالبريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان عام 1977. وعين الراحل أيضاً وزيراً للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، كما عين وزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني عام 1983 بصفته زعيم أحد الأحزاب الستة الكبرى في المغرب.
وخلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية المنعقد يومي 4 و5 تشرين الأول/ أكتوبر 1986، أعفي من مهامه أميناً عاماً للحركة الشعبية. وتروي صحيفة «الأيام» سر الإعفاء في الحكاية التالية: «كان المرحوم أحرضان قد استدعى الشاعر والرئيس السنغالي السابق ليوبول سيدار سنغور للرباط ليشارك في الجمع العام التأسيسي لجمعية «أكراو أمازيغ»، بيد أن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني لم يعجبه الأمر، لأن الاستدعاء تم بدون إخباره، فمنع تأسيس تلك الجمعية، وطرد المحجوبي أحرضان بطريقة غير مباشرة من حزب الحركة الشعبية الذي كان يرأسه، ونُظّم مؤتمر استثنائي للحزب سنة 1986 أُقيل خلاله أحرضان، وانتخبت لجنة من 8 أمناء عامّين استقلّوا طائرة باتجاه مراكش ليستقبلهم الحسن الثاني، ويقرر تعيين امحند العنصر أميناً عاماً جديداً للحزب. ومن ثم، رحل أحرضان إلى مسقط رأسه ولماس في جبال الأطلس المتوسط، وخاض صراعات عديدة قبل أن تتدخل وساطات، ليعفو عنه العاهل الحسن الثاني».
في حزيران/ يونيو 1991 أسس حزباً جديداً أطلق عليه اسم «الحركة الوطنية الشعبية»، تقلد فيه منصب الأمين العام. وفي حزيران/ يونيو 1997، فاز أحرضان في الانتخابات البلدية. وفي آذار/ مارس 2006 عملت قيادات «الحركة الشعبية» وكل الحركات المنشقة منها، بما فيها «الحركة الوطنية الشعبية» و»الاتحاد الديمقراطي»، على توحيد صفوفها في حزب واحد هو «الحركة الشعبية»، وتم اختيار المحجوبي أحرضان رئيساً للحزب وامحند العنصر أميناً عاماً.
كانت علاقته بالحسن الثاني متوترة نوعاً ما، بسبب قضايا عديدة أبرزها الأمازيغية والبوليساريو والصحراء.
يحكي المستشار الملكي الراحل عبد الهادي بوطالب أنه خلال أحد المجالس الحكومية، مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وبينما كانت هجومات البوليساريو تشتد في الصحراء، تدخل المحجوبي أحرضان الذي كان حينها كاتب دولة مكلفاً بالتعاون الدولي، وقال: «أعطيوني كتيبة ديال العسكر ونهنيكم من هاد المشكل». (اعطوني كتيبة عسكرية وأريحكم من هذه المشكلة) وقبل أن ينفض الاجتماع، بلغ الخبر الحسن الثاني، ودخل على أعضاء حكومته فجأة، وتوجه إلى أحرضان قائلاً: «واش نت بوحدك اللي وطني فهاد البلاد؟ راه حنا كلنا وطنيين ولكن ماشي بهاد الطريقة». (هل أنت وحدك الوطني في هذا البلد؟ فكلنا وطنيون، ولكن ليس بهذه الطريقة).
يضيف عبد الهادي بوطالب: «توقف الأمر عند هاد الحد مؤقتاً، قبل أن يثير أحرضان حوله الزوبعة من جديد في حوار مع صحيفة «إلباييس» الإسبانية، إذ قال ما معناه إن «العقد الذي بيننا وبين الملك هو عقد البيعة ويبغي على كل طرف أن يحترم هذا العقد».
وأثار ذات مرة جدلاً واسعاً عندما زار إسرائيل مرتين، ليكون أول مسؤول سياسي مغربي يزور الكيان الصهيوني، حيث يقول أحرضان في حوار صحافي: «جاءت الزيارة إلى إسرائيل بعدما توصل الحسن الثاني برسالة من رئيس الوزراء إسحق رابين يلتمس فيها من ملك المغرب مساعدته في إقناع اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل بدعمه في تحقيق السلام مع الفلسطينيين». وأضاف: «التقيت اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل في موسم يقيمونه يعرف باسم (للا ميمونة) وأبلغتهم رسالة الملك ورحبوا بها».
وفي زيارة أخرى، يقول أحرضان في حوار صحافي آخر، إنه عاد من «إسرائيل» وقدّم تقريراً إلى الملك الراحل الحسن الثاني، ذكر فيه أنه التقى ببنيامين نتنياهو الذي قال له إنه سيقوم بما في وسعه فإما أن يكون هناك سلام حقيقي أو حرب حقيقية، وأضاف أنه سيحاول أخذ السلطة، ليجيبه أحرضان: «إنكم تقومون بهذا بالكثير من الأفعال».