دفعةٌ كبيرة لإيصال مساعدات لغزة، لكن الأمل ضئيل في إنهاء المعاناة
وزير الخارجية البريطاني كاميرون مع وزيرة الدولة القطرية للتعاون الدولي في قاعدة العديد الجوية بقطر
كانت طائرة الشحن التابعة لسلاح الجو القطري، وهي طائرة رمادية ضخمة من طراز “سي 17″، متوقفة قرب المدرج في “قاعدة العديد الجوية” المترامية الأطراف.
حاول وزير الخارجية البريطاني، اللورد ديفيد كاميرون، الذي كان يرتدي حذاءً أسود وسترة، دفع نقّالة الصناديق التي تحوي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى داخل الطائرة، لكن النقّالة لم تتزحزح.
تراجع إلى الوراء بينما أجرى طيارون قطريون أقوياء البنية، يرتدون الزي القتالي، بعض التعديلات.
لكن رئيس الوزراء البريطاني السابق لم يستسلم، ومع دفعة مفاجئة، بدأت الحزمة في التحرك إلى داخل الطائرة – وهي جزء من حوالي 30 طناً من المساعدات، تتضمن خيما وأغذية.
وكان هدف جولة كاميرون الأخيرة في الشرق الأوسط تقديم المساعدة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح أكثر من 132 رهينة متبقين، وزيادة المساعدات التي تصل إلى غزة بشكل يومي.
يبذل كاميرون الكثير من الجهد، لكن حتى الآن على الأقل، ليس لديه الكثير ليعلنه.
قال لي كاميرون، وهو واقف قرب جناح الطائرة الهائل: “لا يريد أحد أن يستمر هذا الصراع للحظة أكثر من اللازم. لكنني لطالما أدركت أنه لن يكون هناك وقف مناسب لإطلاق النار إذا ظلت حماس في مكانها قادرة على شن هجمات على إسرائيل”.
وأضاف: “على الجميع أن يفهموا أنه يجب تفكيك حماس، وإلا فلن يكون هناك سلام ولا وقف إطلاق نار دائم”.
وجاءت جولته الأخيرة من الدبلوماسية الشخصية (قبل يوم من لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس)، وقبل المحادثات الجارية نهاية هذا الأسبوع في فرنسا، والتي تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن ووقف الأعمال العدائية.
لكن احتمال انتهاء المعاناة قريباً في غزة لا يزال ضئيلا؛ فهناك هوّة بين المساعدات التي تحتاجها غزة، والتي ستحتاجها لسنوات قادمة، وبين ما تتلقاه حاليا.
وبينما يستمر القصف الإسرائيلي على غزة، تضخّ المساعدات بالقطّارة إلى داخل القطاع.
وتقول بريطانيا إن هناك حاجة إلى 500 شاحنة يوميا لتوفير الاحتياجات الأساسية، وفي معظم الأيام يصل أقل من 200 شاحنة إلى الداخل.
وفي إحدى المرات هذا الشهر، عبرت 30 شاحنة فقط إلى غزة.
وقال كاميرون: “من المهم أن نتمكن بالفعل من إدخال المساعدات إلى مدينة غزة، والأهم من ذلك، بمجرد وصولها إلى غزة، أن ننقلها إلى المناطق المحيطة بها”.
ومضى يقول:”ما كنت أقوله بالأمس للإسرائيليين هو أن عليهم أن يتعاملوا مع الصعوبات والعراقيل، حيث أن عليهم أن يتأكدوا من أن نقاط العبور تفتح عددا أكبر من المرات، كما أن عليهم أن يتأكدوا من أن عمليات التفتيش تتم بسرعة أكبر. علينا، بشكل حاسم، منح تأشيرات الدخول لموظفي الأمم المتحدة والشاحنات التي يحتاجها موظفو الأمم المتحدة لتوصيل المساعدات في أنحاء غزة”.
ويعيش تسعة من بين كل عشرة أشخاص في غزة على وجبة واحدة يوميا، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.
وتخضع جميع المساعدات لعمليات تفتيش صارمة من قبل إسرائيل التي لا تريد أن يدخل أي شيء إلى الداخل يمكن أن يفيد حماس.
وتُعد قطر وبريطانيا حليفتين، أما الإمارة الخليجية وإسرائيل فليستا كذلك؛ فهي تستضيف القيادة السياسية لحركة حماس، وكانت وسيطاً رئيسياً في المحادثات الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى الحركة، المحظورة كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول.
وساعدت قطر في تأمين وقف إطلاق النار الذي استمر لمدة أسبوع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي أدى إلى إطلاق سراح 105 رهائن احتجزوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل 1300 شخص.
لكن مع وصول ديفيد كاميرون إلى الدوحة، ُسرّب تسجيل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف فيه دور قطر كوسيط في حرب غزة بأنه “إشكالي”.
ورفض وزير الخارجية البريطاني الانتقادات وقال إن دور قطر “مفيد”.
وقالت قطر إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي هالتها – التصريحات التي جاءت قبيل الاجتماع الذي سيعقد في نهاية هذا الأسبوع في فرنسا، والذي سيجمع بين ويليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ونظيره الإسرائيلي ديفيد بارنيا، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، كما سيحضر الاجتماع أيضا رئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
وتهدف المحادثات إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وتحقيق وقف لإطلاق النار، مهما كانت الفجوة بين مطالب إسرائيل وحماس.
واستضافت لولوة راشد الخاطر، وزيرة الدولة القطرية لشؤون التعاون الدولي، كاميرون في القاعدة الجوية.
وقالت الوزيرة إن حوالي 12 طنا من المساعدات على متن الطائرة جاءت من قطر، وحتى هذه الشحنة المشتركة ليست كافية.
وقالت لي الوزيرة لولوة راشد الخاطر: “في بعض الأيام، في الفترة الماضية، كانت تدخل غزّة أقل من 100 شاحنة. وهذا الوضع صعب للغاية، فهناك العديد من الاختناقات والعراقيل. وفي واقع الأمر، يجب أن أقول إنها عقبات من صنع الإنسان. وبموجب المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة، يقع على عاتق قوة الاحتلال، وهي في هذه الحالة الاحتلال الإسرائيلي، ضمان مستويات كافية من المساعدات والإمدادات وخطط المساعدات”.
وأضافت الدبلوماسية القطرية أنه في بعض الحالات، يرسل النوع الخاطئ من المساعدات، مشيرة إلى أن إحدى الشحنات الأخيرة من جهة مانحة أجنبية كانت مليئة باختبارات فيروس كورونا.
وبينما كانت طائرة الشحن المليئة بالخيام تصعد ببطء إلى سماء الصحراء الزرقاء الصافية، كان لدى لولوة الخاطر نقطة أخيرة تود توضيحها، حيث قالت: “من المهم جدا التأكيد على أن المساعدات لا يمكن أبدا، ولا ينبغي أبدا أن تحل محل الحاجة لوقف فوري ودائم لإطلاق النار”.
ومضت تقول: “لسوء الحظ، تحاول بعض الجهات الفاعلة الترويج لحاجتنا إلى المزيد من المساعدات دون القيام بما يكفي على الجبهة الأخرى”.
ويُعتبر الوضع داخل غزة مأساويا، حيث نزح ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص، بعضهم عدة مرات.
وستذهب الخيام العائلية البالغ عددها 285 خيمة من قطر وبريطانيا إلى منظمة اليونيسيف في غزة، والتي تستوعب ما يصل إلى خمسة أشخاص في كل خيمة.
وفي الأيام الأخيرة، أدت الأمطار الغزيرة إلى تفاقم الأوضاع.
وانهارت الرعاية الصحية في قطاع غزة، وكتب لي طبيب بريطاني من داخل غزة يقول: “لا يخضع الناس لعمليات جراحية لأنه لا توجد أسرة، كما لا توجد موارد لذلك”.
ومضى الطبيب البريطاني قائلا: “يُترك الكثير من الأشخاص ليموتوا على الأرض في قسم الطوارئ في معظم الأوقات. استقبلنا 45 شخصا الليلة الماضية من خان يونس، توفي 70 في المئة منهم بسبب نقص الموارد. أعتقد أنه من منظور إنساني، من المُروع والصادم أن أرى سرعة تردي الوضع أمام عيني”.