بقلم د. مبارك أجروض
على الرغم من مرور عام ونصف على بدء انتشار Covid-19، ففي شوارع مجموع البلدان لا تكاد تُميِّز أحدا، الجميع يُغطّون وجوههم الحذِرة والمترقِّبة خوفا من ذلك الكائن المتناهي الصغر الذي غزا العالم منذ 18 شهرا، ولا يبدو أنه ينوي الرحيل في أي وقت قريب، وفي وقت يُسابق فيه العالم الزمان لتطعيم كل سكانه، الذين يقترب عددهم من 8 مليارات نسمة، فإن الفيروس لا ينفك يتحول باستمرار، ما يُثير مخاوف كبيرة حول كفاءة التطعيمات الحالية وقدرتها على مواجهة والحد من انتشار Souches et Variantes العديدة التي تظهر كل بضعة أشهر في دولة أو أخرى. لقد أصبح العالم بمعنى من المعاني يحكمه ويتحكَّم به Covid-19.
ونتيجة لذلك انتشرت مؤخرا معلومات غير دقيقة بأن سرعة انتشار variable delta من Covid-19أكبر بألف مرة من سرعة انتشار الفيروس الأصلي الذي ظهر في الصين في أواخر سنة 2019. وعلى الرغم من أن هذا المتحول Delta هو أسرع انتشاراً بالفعل، إنما ليس بألف مرة ! فمن أين جاء هذا الرقم ؟!
* الدراسة الصينية
نشرت دراسة صينية في أوائل شهر يوليوز في إحدى المجلات الطبية المعتمدة والتي أجريت على 62 مصاباً بمرض Covid-19، ومن خالطهم عن قرب في الفترة من21 ماي حتى 18 يونيو. فلقد أجريت في الدراسة Tests d’écouvillonnage nasal et oral (PCR) كل يوم لكشف وجود المادة الوراثية لـCovid-19، وجرت مقارنتها بنتائج دراسة مماثلة لدى مصابين بالفيروس الأصلي في أوائل سنة 2020.
وجدت الدراسة الجديدة أن عدد الفيروسات من المتحول Delta في العينات المأخوذة من المصابين الجدد كان أكبر بحوالي1260 مرة من عدد الفيروسات لدى المصابين بالفيروس الأصلي. كما أن الزمن بين التعرض الأول وتحول فحص écouvillons إلى النتيجة الموجبة كان 4 أيام عند المصابين الجدد، بينما كان 6 أيام عند المصابين سنة 2020.
تشير هذه القياسات إلى أن معدل سرعة تكاثر المتحول الجديد أسرع بالفعل من الفيروس الأصلي، وأن فترة الحضانة أقصر، وعدد الفيروسات المنتشرة أكبر. تؤدي هذه العوامل جميعها إلى زيادة سرعة انتشار المتحول Delta، فإذا كان المرضى المصابون بالمتحول Delta ينشرون عدداً من الفيروسات أكبر بحوالي 1000 مرة، فإن عدد الفيروسات المنقولة يكون أكبر، كما أن فرصة نشر العدوى تصبح أكبر أيضاً لأن فترة الحضانة أقصر، وبالنظر إلى جميع هذه العوامل فإن احتمال نشر العدوى إلى المخالطين القريبين يكون أكبر بكثير، إنما ليس أكثر بألف مرة من الفيروس الأصلي !
* دراسة إحصائية بريطانية
وجدت دراسة إحصائية بريطانية أن نسبة انتشار المتحول Delta أكبر بحوالي 64% من المتحول البريطاني الجديد Alpha B.1.1.7، ويُقدر أن المتحول البريطاني Alpha أسرع انتشاراً من الفيروس الأصلي بحوالي 50%، ما يجعل قدرة المتحول Delta على الانتشار أكبر بمرتين من الفيروس الأصلي.
* ضرورة الوقاية واللقاح
إن ظهور المتحولات الجديدة لـCovid-19، مثل المتحول البريطاني Alpha، والجنوب أفريقي، والبرازيلي، ومتحول كاليفورنيا، والمتحول Lambda الجديد في أميركا الجنوبية.. يثير قلق الهيئات الصحية في جميع أرجاء العالم. خاصة لأن معظم هذه المتحولات الجديدة تبدو أكثر قدرة على انتشار العدوى، على الرغم من أنها ليست أكثر قدرة على إحداث المرض pathogénicité، وأن نسبة الوفيات فيها ليست أعلى من الفيروس الأصلي لأسباب متعددة، منها أن الطواقم الطبية أصبحت أكثر معرفة ومهارة في التعامل مع هذا المرض، كما أن هناك قدرات علاجية ووقائية أفضل وأكثر وفرة في معظم الدول، بالإضافة إلى توفر اللقاحات وزيادة توزيعها تدريجياً، كما أن المناعة الطبيعية تنتشر في المجتمعات بشكل عفوي مع انتشار الجائحة، ولزيادة معارف الناس بشكل عام عن أساليب الوقاية وأهمية الالتزام بها، على الرغم من التفاوت الكبير في هذه الناحية.
* لماذا تظهر nouveaux mutants في Coronavirus ؟
إن المادة الوراثية في Coronavirus هي من نوع الحمض النووي ARN، وهذا النوع من الفيروسات أكثر تعرضاً للتغير والتحول أثناء نسخ مادتها الوراثية في عملية تكاثرها. تحدث خلال عملية نسخ الحمض النووي ARN كثير من التغيرات والتحولات، تؤدي الغالبية العظمى منها إلى فشل معظم المتحولات الجديدة في الانتشار وفي دخول خلية حية أخرى لكي تستمر في التكاثر، وتنتهي هذه المتحولات الفاشلة إلى الزوال النهائي، ولكن نسبة ضئيلة جداً منها ربما تكون ناجحة، بل لربما تكون أكثر نجاحاً من الفيروس الأصلي في سرعة الانتشار، فتحل محل الفيروس الأصلي في الدول والمناطق التي تنتشر فيها، وربما يعم انتشارها مناطق كثيرة في العالَم، وتحدث موجة أو موجات جديدة من مرض Covid-19 ومن هنا تأتي أهمية أخذ اللقاح ضد هذا المرض، وذلك لأن المناعة التي يحفزها اللقاح تقلل فرصة هذا الفيروس في دخول خلايا حية في إنسان سليم آخر، وبالتالي، تقلل اللقاحات فرصة تكاثر الفيروس، وتقلل بالتالي احتمال حدوث تحولات جديدة أثناء عملية تكاثر الفيروس لدى المصابين الجدد.
* أخذ اللقاح والالتزام بوسائل الوقاية مسؤولية أخلاقية
لقد وجدت دراسة حديثة نُشرت في دورية The Lancet أن الأجسام المضادة neutralisants الناتجة عن تطعيم شركة AstraZeneca الإنجليزية، التي تعمل ببساطة على إلغاء تأثير الميكروب قبل أن يشتبك مع خلايا الجسم ويصيبها بالمرض، تعمل بكفاءة شديدة ضد variantes Alfa وD614G، بينما نسبتها لا تكاد تُذكر ضد beta وdelta variantes، ولكن كشفت الدراسة أيضا أن مَن أُصيبوا بـ Covid-19وتعافوا منه ثم تلقَّوا جرعة واحدة من التطعيم ذاته احتوت أجسامهم نسبة أكبر من الأجسام المضادة neutralisants، بالمقارنة مع الذين لم يُصابوا بالمرض من قبل.
بالنظر إلى كل ما سبق، ندرك الآن أن أخذ اللقاح ضد مرض Covid-19، والالتزام بوسائل الوقاية الشخصية والعائلية والمجتمعية والدولية هما مسؤولية أخلاقية لكل فرد تجاه سلامة صحته وسلامة عائلته وأصدقائه ومجتمعه. لأن انتشار العدوى يعني احتمالاً أكبر لظهور متحولات جديدة ربما تزيد من مصاعب السيطرة على هذه الجائحة العالمية التي حصدت حتى الآن أرواح حوالي خمسة ملايين إنسان.