حلقة جديدة فى مشروع الشرق الأوسط الكبير: الحرب الشاملة فى الشرق الأوسط.. فتش عن المستفيد

مجلة أصوات

 

للمرة الأولى منذ مايو 1967، يندلع الحديث عن الحرب الشاملة فى الشرق الأوسط بهذا التكثيف، رغم أن الفرضية طرحت نفسها عقب بدء الاشتباكات فى فلسطين المحتلة يوم 7 أكتوبر 2024، إلا أن اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس صنع سلسلة من التفاعلات السياسية أدت إلى هيمنة مصطلح «الحرب الشاملة» على الموقف السياسى.. ذلك لأن الحرب الشاملة هى البند الوحيد الذى لم يفشل بعد فى بنك أهداف الغرب جراء اندلاع عملية طوفان الأقصى.

 

وتهدف خطة الحرب الشاملة أن تمتد الاشتباكات الجارية بين إسرائيل ومحور الممانعة بقيادة إيران إلى دول أخرى، وذلك لإسقاط الدول الوطنية والمستقرة فى الشرق الأوسط، وتحويل الشرق إلى قاعدة عسكرية للإرهاب العالمى، من أجل ضرب المصالح الروسية والصينية فى الشرق الأوسط وعلى رأسها طريق الحرير الصينى الجديد، ولاحقًا فإن سيادة الإرهاب على الشرق الأوسط سوف تؤدى إلى تصدير هذا الإرهاب إلى الدول التى يستهدفها الغرب وعلى رأسها روسيا والصين.

 

 

وكانت فكرة نشر نموذج اللادولة وتسليم المنطقة إلى الإسلام السياسى سواء الفرع السنى أو الفرع الشيعى هى العمود الفقرى لسياسات الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، والتى قام الرئيس السابق دونالد ترامب بتعليقها فى سنواته الأربع بالبيت الأبيض قبل أن يقوم الرئيس الحالى جو بايدن بإعادة تفعيلها فور دخوله البيت الأبيض فى يناير 2021.

 

رؤية أوباما هى تطبيق سياسة الأرض المحروقة بالشرق الأوسط، وأن يتحول المشرق إلى جماعات إسلامية وعرقية متناحرة دون وجود للجيوش الوطنية والدول القومية، وأن يتم تقسيم دول المشرق إلى عشرات الدويلات الإسلامية كما فعل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى سوريا والعراق وليبيا فى الولاية الثانية لباراك أوباما قبل أن يرفع ترامب يد أمريكا عن هذا المخطط ما سهل سقوط داعش بعد ذلك.

 

 

وإذا كانت واشنطن قد ناقشت سيناريو الحرب الشاملة أكثر من مرة بداية من أكتوبر 2023، فإن نسخة 2024 هى الأكثر خطورة من نسخة 2023 أو حتى نسخة باراك أوباما.

 

فى الأسبوع الأخير من يوليو 2024، قام رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بزيارة إلى واشنطن، وفى العاصمة الأمريكية تمت مناقشة النسخة الجديدة من المخطط مع رجالات الحزبين الكبيرين.

 

 

 

الجديد هو أن المخطط أصبح برئاسة مباشرة من شبكات المصالح التى تدير الغرب، بينما الرؤساء والحكومات والمجالس النيابية المنتخبة ما هى إلا مجرد حاشية وسكرتارية وموظفين لدى تلك الشبكات، ولكن على ضوء مخاوف تلك الشبكات من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أو قلة خبرة وضعف أداء كامالا هاريس حال وصولها إلى البيت الأبيض، فإن شبكات المصالح تتعامل مع الأجهزة الأمريكية أو الدولة العميقة الأمريكية بشكل مباشر فى الفترة المقبلة بغض النظر عن شخص الرئيس الأمريكى.

 

 

والمطلوب من إسرائيل باعتبارها كيانًا وظيفيًا ينفذ أجندات الغرب هو عدم الاكتفاء بالاشتباك مع محور الممانعة، إيران وحلفها فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولكن يجب توريط مصر وتركيا والأردن لتصبح حربًا شاملة تسقط جميع أنظمة المشرق.

 

 

 

المخطط الجديد سوف يسعى للتحول إلى حقيقة بغض النظر عن شخص الرئيس الأمريكى المقبل، فشبكات المصالح قادرة على تحريك أدوات وآليات أخرى للتآمر وصناعة الحرب الشاملة، وذلك على ضوء الأرباح الطائلة لشبكات المصالح من الحروب وفقًا لنظرية «رأسمالية الكوارث» بالإضافة إلى التخلص من طريق الحرير الصينى والتجربة المصرية والنفوذ الروسى فى الشرق الأوسط.

 

 

وكان «مشروع الشرق الأوسط الكبير» قد بدأ أعماله مع مجىء إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن فى يناير 2001، وهو ثمرة اجتماعات جرت فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين أنتجت ما أسموه «مشروع القرن الأمريكى» الذى يهدف إلى هيمنة الولايات المتحدة على القرن الحادى والعشرين، وذلك تحت ادعاء حماية ونشر الديمقراطية.

إدارة بوش الابن استخدمت الحل العسكرى لصناعة القرن الأمريكى والشرق الأوسط الكبير، وذلك بغزو العراق وأفغانستان، وقصف باكستان واليمن وسوريا، ولكن على ضوء الإخفاقات الأمريكية فى الحرب على الإرهاب، أتت إدارة باراك أوباما فى يناير 2009 بتعديل فى التنفيذ وليس المخطط ذاته، ألا وهو تقنيات «الثورات الملونة» و«الفوضى الخلاقة»، وهكذا أتى «الربيع العربى» لتنضم سوريا ولبنان واليمن وليبيا إلى قائمة ضحايا المشروع الأمريكى بعد العراق وأفغانستان فى سنوات بوش الابن.

وفى سنوات بايدن تم تمديد الفوضى الخلاقة إلى أوكرانيا والسودان وبنجلاديش وسريلانكا وهايتى، وهيكلة الإسلام السياسى من أجل لعب الدور المنشود مثل الذى لعبه فى سنوات ما يسمى بالربيع العربى.

ويعتبر لبنان هو الهدف القادم المباشر للتصادم المفتعل بين إسرائيل وإيران، ما يشكل ذريعة لتوطين الفصائل الإيرانية فى لبنان وإنهاء لبنان بشكله المتعارف عليه منذ قيام دولة لبنان عام 1920.

ويمتلك محور الممانعة ميليشيات من أفغانستان وباكستان إضافة إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن وإيران، سبق أن شاركوا فى الحرب السورية، ويجرى الاستعداد لنقلهم إلى لبنان فور اندلاع الحرب الشاملة بين تل أبيب وبيروت.

ويشمل مخطط الحرب الشاملة قيام ميليشيات تابعة لمحور الممانعة بمهاجمة الكويت والبحرين بدعوى الهجوم على التواجد العسكرى الأمريكى هناك، من أجل مد الفوضى الخلاقة إلى الجزيرة العربية بعد أن فشلت المحاولة الأولى فى سنوات ما يعرف بالربيع العربى حينما حاول الغرب تنظيم اضطرابات فى شرق السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان.

الغرب لم يعد يخشى من تمديد الفوضى فى مناطق النفط والغاز، بل إن سنوات الفوضى فى ليبيا كشفت للغرب أن عدم وجود حكومات مركزية وتسليم مناطق الغاز والنفط إلى ميليشيات متصارعة يعد الحل الأمثل فى الحصول على نفط وغاز بأسعار رخيصة عن السوق الدولى بل وفى بعض الأحيان مجانًا مقابل بعض الأسلحة أو المواقف السياسية الموالية للفوضى.

ولن يتم استبعاد سيناريوهات الثورات الملونة وصناعة «الربيع الثانى» من اللعبة المقبلة، حيث يتم حشد حشود من العملاء والجواسيس والطابور الخامس فى الدول المستهدفة من أجل استمرار الدعوات للتظاهر ومساعدة العدو فى إسقاط الدول والأنظمة والجيوش المستهدفة فى الشرق الأوسط.

عاد نتنياهو إلى الشرق الأوسط بالتكليفات الجديدة، وفى 30 يوليو 2024 قامت إسرائيل باغتيال القيادى فى حزب الله فؤاد شكر إضافة إلى غارة على منطقة جرف الصخر جنوب العاصمة العراقية بغداد ما أدى إلى تدمير أهم مصنع للمسيرات الإيرانية التى تستهدف إسرائيل.

وتضم «جرف الصخر» معسكرات موزعة بين عدد من الميليشيات العراقية هى «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» و«كتائب سيد الشهداء»، وتشهد جميعها تواجد عناصر من «حزب الله اللبنانى» و«الحرس الثورى الإيرانى».

وفى اليوم التالى، 31 يوليو 2024، جرى اغتيال إسماعيل هنية فى طهران، خلال أقل من 24 ساعة قام الاحتلال بضربات فى إيران والعراق ولبنان دفعة واحدة، مشهد افتتاحى فى سيناريو الحرب الشاملة نسخة 2024. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.