في حزيران/ يونيو 1967، اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة، التي تمكّنت القوات الإسرائيلية في نهايتها من احتلال سيناء ومرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية . أطلق الإسرائيليون على الحرب اسم “حرب الأيام الستة”، لأنهم حقّقوا في ستة أيام نصراً عسكرياً ساحقاً على جيوش مصر وسوريا والأردن . وفي العالم العربي باتت تعرف باسم النكسة. ففي الجانب الفلسطيني، مثّلت نتائج الحرب نكسة كبرى، حيث وقع ما تبقّى من أراضي فلسطين التاريخية تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، وعلى المستوى الإقليمي، بدت التطلعات السامية للوحدة العربية أكثر بعداً من أي وقت مضى.
عندما قرّرت إسرائيل في سنة 1963 تحويل مجرى مياه نهر الأردن ، لم يكن المناخ السياسي في المنطقة ينبئ باحتمال نشوب حرب، فاقتصر الرد العربي على القرار الإسرائيلي على عقد القمة العربية، القاهرة، 1964 في شهر في كانون الثاني/ يناير، وتبنّي قرار بالتخطيط لتحويل روافد نهر الأردن، وبإنشاء كيان فلسطيني سياسي. بيد أن التوتر راح يتصاعد بسرعة اعتباراً من مطلع سنة 1965، عندما بدأت حركة “فتح ” مدعومةً من سوريا بإرسال مجموعاتها المسلحة إلى إسرائيل، وشرعت سوريا والأردن في التحضير لمشروع تحويل روافد نهر الأردن.
شهد ربيع عام 1967 تصاعداً جديداً في حدة التوتر الناجم عن تزايد التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم واسع على سوريا، التي استمرّت في تقديم الدعم لعمليات الفدائيين الفلسطينيين، ووقّعت مع مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 معاهدة دفاع مشترك. وفي السابع من نيسان/ أبريل 1967، نفّذت إسرائيل تهديداتها وقامت بالاعتداء على المناطق الحدودية السورية، واشتبكت طائراتها مع الطيران السوري فوق دمشق ، مسقطةً ست طائرات “ميغ 21” سورية.
وأمام تزايد احتمال قيام إسرائيل بهجوم شامل على سوريا، وخصوصاً بعد ورود معلومات من الاتحاد السوفييتي في 13 أيار/ مايو 1967، تفيد بأن إسرائيل تحشد قواتها على طول الجبهة السورية، أعلنت الحكومة المصرية في 15 أيار وضع قواتها المسلحة في حال تأهب، وطالبت في اليوم التالي بانسحاب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة التي أنشئت عقب حرب عام 1956 من شرم الشيخ وغزة، كما قررت في 22 أيار إغلاق مضيق تيران (عند مدخل خليج العقبة إلى البحر الأحمر ) في وجه الملاحة الإسرائيلية.
وفي 30 أيار، انضم الأردن إلى معاهدة الدفاع المشترك بين مصر وسوريا، بعد أن تيقّنت حكومته من أن الحرب باتت وشيكة. في هذه الأثناء، أُعلِن في إسرائيل تشكيل حكومة “وحدة وطنية” شارك فيها لأول مرة مناحيم بيغن زعيم حزب حيروت اليميني. وبينما كانت إدارة الرئيس الأميركي ليندون جونسون تدّعي في العلن سعيها إلى تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط ، وتحثّ الرئيس المصري جمال عبد الناصر على “تجنب أعمال القتال”، كانت تواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة الحديثة وترسل إليها الإشارات بأنها لن تعارض هجوماً تشنه قواتها على مصر بهدف تدمير الجيش المصري وهزّ مكانة عبد الناصر القيادية في العالم العربي وإضعاف نفوذ الاتحاد السوفييتي في المنطقة سياسياً وعسكرياً.
صبيحة الخامس من حزيران 1967، شنّت إسرائيل هجوماً مفاجئاً على سلاح الجو المصري، ونجحت طائراتها خلال ساعتين فقط في تدميره بالكامل تقريباً وإعطاب مدرجات المطارات المصرية. وكانت المعارك في الضفة الغربية قد ترافقت مع حركة نزوح واسعة للسكان، وخصوصاً من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في وادي الأردن ، كما حاول فلسطينيون من قطاع غزة النزوح نحو الضفة الغربية للانتقال منها إلى الأردن. وفي هضبة الجولان، قامت القوات الإسرائيلية بطرد السكان العرب بمعظمهم.
لقد كان وقع الهزيمة قاسياً بشكل خاص على الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أعلن في خطاب وجّهه إلى الشعب المصري في 9 حزيران، أنه يتحمّل وحده مسؤولية الهزيمة، وأنه سيستقيل بالتالي من منصبه. بيد أن التظاهرات المليونية التي اندلعت في شوارع المدن المصرية على مدى يومين، أجبرته على التراجع عن استقالته، ليتوجّه بعدها إلى محاولة رصّ الصف العربي، فتكللت جهوده في نهاية آب/ أغسطس 1967 بانعقاد القمة العربية، الخرطوم ، بغياب سوريا. وشهدت القمة مصالحة بين عبد الناصر وبين الملك فيصل ، ملك السعودية ، إثر الاتفاق على سحب القوات المصرية من اليمن ، وكان من نتائجها موافقة كلٍّ من السعودية والكويت وليبيا على تقديم مساعدات مالية كبيرة إلى مصر والأردن.
وبعد تهديد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري بالانسحاب منها، احتجاجاً على ما سماه باستعداد الدول العربية لـ”خيانة” القضية الفلسطينية، أقرت قمة الخرطوم في نهاية أعمالها، في 1 أيلول/ سبتمبر 1967، “بيان الخرطوم”، الذي أكّد عزم الدول العربية على التحرك بصورة جماعية من أجل تأمين انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها بعد الخامس من حزيران 1967، وذلك “على قاعدة المبادئ المعترف بها من الدول العربية كافة، وهي: لا سلام مع إسرائيل ولا اعتراف بإسرائيل ولا تفاوض مع إسرائيل، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه”.
وبعد خمسة أشهر من المداولات، توصّل مجلس الأمن في 22 تشرين الثاني 1967 إلى القرار رقم 242، الذي اقترحه مبعوث بريطانيا ، والذي أكّد ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب في مقابل إنهاء حالة العداء والاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، وبحرّية الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة، وتحقيق حل عادل لمشكلة اللاجئين.
وفّرت حرب حزيران فرصة لإسرائيل كي تحقق هدفها في التوسع الإقليمي، فالقيادة الصهيونية لم ترَ في حدود إسرائيل ما بعد عام 1948 حدوداً دائمة، وبقيت تأمل في استرجاع ما أصبح بين أيديها عام 1956 ثم أفلت منها بسبب الضغط الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت الحرب في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي كانت تشهدها إسرائيل، والتي كان من نتائجها بلوغ معدل البطالة نسبة 10 في المئة وتراجع الهجرة اليهودية. وشرعت إسرائيل سريعاً في جني ثمار النصر الذي حققته، إذ قررت ضم القدس الشرقية ، وأتبعت قرار الضم بخطوات سريعة ومنذ الأيام الأولى، لتكثيف عمليات الاستيطان، كما باشرت بمشاريع بناء مستوطنات يهودية في مرتفعات الجولان.
أدت هزيمة الجيوش النظامية العربية في حرب حزيران إلى انتشار ظاهرة العمل الفدائي الفلسطيني على نطاق واسع، وانتقال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى أيدي المنظمات الفلسطينية المسلحة، إلا أنها تسببت على الصعيد الإقليمي، في تراجع التيار القومي العربي في مقابل بداية صحوة التيار الإسلامي، وقبول الأنظمة العربية وجود إسرائيل كأمر واقع في المنطقة، وخصوصاً بعد موافقة مصر والأردن على قرار مجلس الأمن رقم 242، وحلول هدف “إزالة آثار العدوان” محل مبدأ تحرير فلسطين.
أما على الصعيد الدولي، فقد أدت الحرب إلى زيادة أهمية الشرق الأوسط ساحةً رئيسية من ساحات الحرب الباردة ، وفرض إسرائيل نفسها رصيداً استراتيجياً لـ الولايات المتحدة في المنطقة، وتحوّل الاتحاد السوفييتي، على الرغم من الضربة الموجعة التي لحقت بحليفيه المصري والسوري، القوة الدولية الوحيدة القادرة على إعادة بناء الجيوش العربية ودعم المطالب العربية على الساحة الدولية.