“حرب بلا نصر” عنوان كتاب أصدره الرئيس الأسبق للولايات المتحدة “ريتشارد نيكسون” عن كيفية الفوز قي حروب بلا ضحايا
إبراهيم أبراش
صدر عام 1988 كتاب للرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، تحت عنوان “«Victory Without War (نصر بلا حرب)”، وفيه يوضح كيف يمكن للولايات المتحدة أن تحقق نصراً على أعدائها دون أن تخوض حرباً مباشرة معهم، في حالة انتهاج وسيلتين: “إطلاق حملة إعلامية مكثفة وضارية لتشويه سمعة الخصم، وتأليب الرأي العام الأمريكي والعالمي ضده بهدف التأثير النفسي عليه من الداخل”؛ “حشد أكبر قدر ممكن من الجيوش والأساطيل الأمريكية والاستعداد الجدي للحرب، بحيث يدخل في عقل البلد المقصود أن الحرب واقعة لا محالة، وأن الحلم بالنصر على الولايات المتحدة بإمكانياتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية الهائلة هو أمر مستحيل”.
إن كان “نيكسون” استشرف مستقبل الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما جرى بالفعل، إلا أن واشنطن أرسلت بعد ذلك جيوشها وخاضت حروباً فعلية في “أفغانستان” و”العراق” وحتى في “سوريا”، ويبدو أن واشنطن في الحرب الدائرة اليوم بين روسيا والغرب تسعى لتحقيق نصر بدون أن تخوض حرب فعلية ومباشرة مع القوات الروسية من خلال توظيف الوسيلتين اللتين ذكرهما “نيكسون”.
في اعتقادنا أن الحرب الدائرة على جبهة “أوكرانيا” والحروب المستقبلية التي ستشارك فيها الدول العظمى التي تملك أسلحة نووية ستكون حروباً بدون نصر كامل لأي من أطرافها.
فعلى الرغم من أن روسيا دولة عظمى عسكرياً واقتصادياً، إلا أنها تواجه تحالفاً يضم دول عظمى أيضاً، فروسيا دولة في مواجهة 27 دولة أعضاء في حلف “النيتو”، بالإضافة إلى دول أخرى، وهذا الحلف أو التحالف الغربي أقوى بكثير عسكرياً واقتصادياً من روسيا، هذا بالإضافة إلى ما تتوفر عليه دول الحلف من تحالفات وقواعد عسكرية عبر العالم لا تتوفر على مثيلاتها روسيا، أيضاً وسائل إعلام وتواصل اجتماعي تتبنى نفس الرواية الغربية عما يجري، وتبث كماً هائلاً من الأكاذيب والدعاية المغرضة، بينما هناك فقط الإعلام الروسي الرسمي.
روسيا تملك السلاح النووي، ولكن التحالف الغربي يملك أيضاً سلاحاً نووياً، وإن كان السلاح النووي الروسي يجعل هزيمتها هزيمة ساحقة أمراً غير وارد، إلا أن روسيا حتى بسلاحها النووي لا يمكنها تحقيق كل أهدافها من الحرب أو النصر في الحرب، وبالتالي فالتوصل إلى حل وسط هو ما تريده موسكو، ولكن واشنطن تريد تحويلها لحرب استنزاف لروسيا حتى وإن أدت الحرب لتدمير كامل لأوكرانيا وتراجع الاقتصاد الأوروبي.
الغرب جند كل حلفائه في الحرب على روسيا، بينما حلفاء روسيا الفعليين أو المفترضين لم يحركوا ساكناً حتى الآن، ولا ندري إن كان الأمر بتنسيق مع موسكو، أو خوفاً من ردة فعل الغرب، واتجاه وطبيعة تحرك حلفاء موسكو بالإضافة إلى أن استمرار تماسك الجبهة الروسية الداخلية هو الذي سيؤثر على مجريات الحرب إن كانت لصالح موسكو أو لغير صالحها.
من خلال متابعتنا للصراع الدائر اليوم بين روسيا والغرب ومقارنته بالحروب السابقة، ومع الجدل الدائر إن كان ما يجري حرباً عالمية ثالثة، أم صراعا محدودا، نسجل الملاحظات أو الهوامش التالية:
الحرب العالمية لا تكون بقرار مسبق، بل تنزلق الدول إليها انزلاقاً، وهذا ما جرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهذا يعني أنه بالرغم من تأكيد روسيا بأن أهدافها لا تتجاوز حدود أوكرانيا، وحديث واشنطن وحلفائها بأنهم لن يدخلوا في حرب مباشرة مع روسيا، إلا أن الأمور قد تنزلق في أية لحظة لمواجهات مباشرة وحرب عالمية جديدة.
أن تمتلك الدولة تفوقا عسكريا وسلاحا نوويا لا يعني حتمية انتصارها الكامل في الحرب، وهذا ما يجري مع روسيا، وسبق أن جرى مع “إسرائيل” في حرب أكتوبر 1973.
الحروب بين دول نووية لا يكون فيها انتصار كامل أو هزيمة كاملة، فإما أن تؤدي لحلول وسط أو إبادة جماعية للمتحاربين. وأحيانا تكون الحدود جد واهية بين السلاح النووي والأسلحة غير النووية الحديثة.