افتتح الملتقى الثقافي لجمعية سلا المستقبل بتنسيق مع فرع سلا لشبكة القراءة، موسمه الثقافي 2022- 2023، يومه 26 نونبر، بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، بندوة فكرية، في موضوع “التفكير في الحدود” تماشيا مع محور “مساءلة مدى التفكير” الذي اختارته المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” منتصف نونبر لهذه سنة.
في البداية، تم التذكير برسالة التنسيق بين الجمعيتين وما يجمعهما من أهداف. ومما جاء في الورقة التقديمية التي أعدها منسق الملتقى الثقافي محمد موسي، أن اختيار مدى الحدود تأسس على ثلاث مبررات أولها، يتعلق بالوضعية المتأزمة لإنسان العصر، وما نتج عنها من خلط في العلاقات. وثانيها، يرتبط بأهمية العقلانية وحدودها، في زمن اكتساح الرقمي وتراجع الخيارات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وثالثها، يرجع إلى أهمية التجريد في استيضاح التصورات وضبط المفاهيم للحد من التشظي، خدمة لتداخل العلوم.
وبناء عليه، تراتبت مداخلات الأساتذة. استهلها الدكتور حمادي أنوار، في مداخلة بعنوان “الحياة باعتبارها تجربة حدود” معتبرا، منذ البداية، أن التفكير هو مدى، عتبة وحدا. وعليه يصبح العقل ملكة الحد غير مؤهل لتجاوز الحدود، وتصير الحياة بالتالي تجربة وجودية تجدها مجموعة من الحدود. أولها، حد الولادة وآخرها حد الموت. وبين البداية والنهاية صيرورة يسميها الفيلسوف هايدجر “تجربة حياة”. تعني أن الإنسان وجد ليموت وفقط ، لذلك فمطلوب منه أن يعيش اللحظة يقظا ومنتبها للحاضر، ما دام الماضي عدم والمستقبل عدم. وأن يتفادى التعلق في منزلة بين الحنين والأمل، ويتشبث، بدل ذلك، بالحياة باعتبارها وثبة وجهدا وحركة. حياة تندرج في إطار اللامحدود والمنفتح على معادلة الحياة بما تعنيه من نقص ضامن للاستمرار، في مقابل إشباع مآله الملل.
وتأسيسا على مفارقة؛ عبث المعنى المعبر عن تراجيديا الحياة، في موازاة، أمل جميل ننتظره بتفاؤل، اختتم المتدخل عرضه بتساؤل حول: ما جدوى حياة لا معنى لها، ما دامت توجد هي حيث لا أوجد أنا، كلما حاولت مواجهتها؟
المداخلة الثانية، جاءت تحت عنوان “التغيير وحدود إبداع الذات”، قدمها المهدي واوا، أستاذ مادة االفلسف، فرادف مفهوم التغيير بالثورة باعتبارها النموذج الأمثل لخلق الذات، ما دامت تنبع من اختيار ذاتك، عبر ما تمر به من مواقف. ومن ثم تصبح الثورة اقتلاع الذات من نظام ووضعها في نظام آخر. إن تحقق ذلك الانتقال مشروط بتغيير الذهنية وإنشاء مساحات جديدة للحرية، فيحصل التغيير بداية على مستوى النظرية (الوعي) عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، الجمعية، الحزب، الإعلام) وهي مداخل تدشن للفعل الثوري، دون أن تستكين للوضع السائد، وإلا أصبحت كابحة للتغيير.
لينتهي المتدخل إلى ما يترتب عن تفاعل بين حدود الذات وحرية الذات، من إبداع، انطلاقا من أن الحرية هي جوهر كينونة الفرد في تفرده وأصالته.
المداخلة الثالثة، عنونها أستاذ الفلسفة، إسماعيل مجغيط ب “صراع الحدود” ممثلا لها بوضعية البشرية خلال أزمة كورونا، باعتبارها أزمة حدود، إذ تداخلت فيها سلط المعرفة بحدود المعرفة، فصارت السلطة بيد الطبيب. وضعية تعددت فيها الحدود، حتى صارت للحدود حدود، فانتهكت حقوق الإنسان (المادتان 12 و19).
وللحدود منزلة متميزة في حقل اللغة، ما دام الكائن العاقل لا يفكر إلا باللغة وبها تقاس حرية التفكير والوعي لديه.
تلت المداخلات الثلاث نقاشا أثمر مجموعة من الخلاصات من أهمها:
– الحاجة إلى توسيع دائرة النقاش في هكذا مواضيع في زمن طغيان التفاهة وثقافة التنميط خدمة للاستهلاك.
– استضافة مفكرين ومبدعين والانكباب على استخراج مدى حدود التفكير في إبداعاتهم.
– إبراز جوانب المتعة في المادة القرائية
– الحد من ثقافة التشهير المتولدة عن سلوك التمويه والتقنع.
الملتقى الثقافي امتداد في العطاء المشترك.
محمد موسي: منسق الملتقى الثقافي