تحت شعار حتى لاننساهم أمسية تشريف مسنينا وتكريم شيوخنا (المسنين الشوابين) بمسجد الرحمة بهوت بيار بستراسبورغ
في ثاني نشاط لمسجد الرحمة وجمعية الإصلاح الإجتماعي بهوت بيار بعد دورة صحيح البخاري بإشراف فضيلة الشيخ الأستاذ رضا مطلع سنة 2022، وفي أجندة برامجه المسجلة, أحييت أمسية بنفحات إيمانية روحانية بين التلاوات العطرة لمختلف القراءات لمقرئ الجالية العربية المغاربية والأمداح والإبتهالات لمنشدي السماع الصوفي.
وفي جو مليئ بالفرحة والبهجة وترقب إفتتاح جلسة الأمسية المعلن عنها منذ أيام وبحضور رواد المسجد وجموع المصلين والأهالي والأسرة رجال و نساء ,رفقة أطفالهم, وبعد صلاة المغرب و إستقبال الضيوف ومشاركي الأمسية من مقرئين ومنشدين, من تنشيط الأستاذ محمد غريم أفتتحت بتلاوة عطرة للشيخ حسن بن زياد إمام المسجد صاحب الحنجرة الذهبية الدافئة, تلها فقرة تعريف بالحدث وإحالة الكلمة الترحيبية للأستاذ حميد حمدي رئيس المسجد مرحبا بالجميع ,شاكريا إياهم على الحضور وتلبية الدعوة وشرح هدف الأمسية ولقاؤها المنظم وذلك من خلال عدة نقاط متطرقا لها بإسهاب في شرحها ووصفها لما يخص جاليتنا الإسلامية العربية المغاربية جمعاء وشيوخنا كبار السن خاصة لتسليط الضوء عليهم وتفقدهم في غربتهم ووحدتهم والأخذ بيدهم لبر الأمان العاطفي الإنساني حتى لا ننساهم ولا نزيدهم جرعة من معاناتهم وما يعانونه من قسوة الحياة في وحدتهم بعيدا عن ديارهم وأهاليهم وأولادهم فلذات أكبادهم, مغتربين عن أوطانهم ومحيط دفئهم العائلي الإجتماعي.
كما أوضح في مجمل كلمته مغزى الفكرة من الحفل, ألا وهي جمع لم شمل المسنين, بمختلف جنسياتهم, لنفض الغبار عليهم نوعا ما, هاته الفئة الهشة التي لا رفيق ولا آنيس لها في غربتها, بإعتبارها جزءا هام لا يتجزأ من النسيج المجتمعي برمته, كما أوصانا ديننا الحنيف مثل المؤمينن في توادهم و تراحمهم مثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى, ومثل المؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعض. فكيف لنا أن ننسى هاته الفئة خاصة وهي صاحبة فضل في العطاء والجد والكد, التي أفنت زهرة عفوان شبابها وضحت بأحلى أيام عمرهها، مجندة للبناء والتشييد مكافحة ومضحية من أجل صناعة بناء البلد وإعداد رجال الغد من مختلف الكفاءات والخبرات لإطارات المستقبل على جميع الأصعدة وجل المستويات بما تتطلبه الحياة عامة للمغترب عامة و المهاجر خاصة.
فئة قل ما من يقدر ثمن جهودها المبذولة على مر السنين السالفة .فبالرغم من أنها تمتلك الخبرة الفنية والتقنية للحياة عامة وللحكمة والموعظة والنصح والإرشاد خاصة أنها من مكونات وأساسيات مدرسة الحياة بعيدا عن الديار, مواصفات ومميزات قل ما نجدها في جيل اليوم.
فئة أفنت كل طاقاتها بعطاء غير محدود بجهد جهيد دونما كلل لاملل .إلا أنها بعد إستنافذ كل ذخيرتها الصحية والجسدية, باتت عديمة إمكانيات قدرات التحرك والسعي لخدمتهم بأنفسهم ولقضاء حاجيات مصالحهم في كثيرا من الأحيان، فئة تعاني في صمت وسكوت رهيب لايعلمه إلا رب العباد خالقها وقلة من يعلم بحالهم وضعيتهم من باقي العامة لاسيما من المهاجرين.
تواصلت القراءة المختلفة والمتنوعة مقامات, تجويدا وترتيلا لحضرة مشايخنا كل من الشيخ أيوب و الشيخ محمد شطبي والشيخ عبد الحميد حمو عمر. كما شنف مساع الحضور فضيلة الشيخ الأستاذ رضا بجملة وصايا من مواعظ ونصح وتذكير بفضل العلم مستهلا كلمته بالآية الكريمة بعد بسم الله الرحمن الرحيم ويخشى الله من عباده العلماء, وتطرق في وصاياه بأن لايأخذ طالب العلم حصته من التعلم , قبل أخذ الأدب والتخلق به,فالعلم يأخذ من فرع الأصل. فزينة المرء حسن الخلق والأدب والنصح بالتواضع والإحترام ضاربا بعض الأمثلة من سلفنا الصالح رحمهم الله منهم الإمام مالك رضي الله عنه وتعليه على يد الصحابي إبن ربيعة, والإمام المنذري وسلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام و الإمام الشاذولي والإمام الجويني وغيرهم من باقي كوكبة العلماء و الصحابة رضوان الله عليهم. كما تطرق إلى أهم موعظة وهي صلة الرحم و ربط الصلة بها على عهد سلفنا رحمة الله عليه كما أوصانا ديننا الحنيف وقرِآننا الكريم. والحرص على نهج خطى السلف بإستمراية تواصل الأجيال بالتعاقب لإستلام المشعل وأختتم فقرته بأبيات منتقاة من الإبتهالات المحمدية صلوات ربي وسلامه عليه شاركه فيها جمع المقرئين والمنشدين الحاضرين معي الجمهور الحاضر في إنشاد جماعي.
وتخللت الأمسية بوصلات إنشادية لكل من الأستاذ بلال محمد بما جادت به قريحته من أحسن السماع الصوفي الروحاني وأروع ما وصف به الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ووصلة الأستاذ حمو عمر و روائع الأمداح والإبتهالات المهدئة والمسكنة للروح مما جاء في مدح رسلونا الحبيب عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وصلات هدأت النفوس وأراحت الأجساد وأنارت العقول و أطربت الجميع بتناغم لهاته الأهاجيز التراثية والإرث الروحي التاريخي ,الثقافي الذي خلفه الأباء والأجداد وتقاسمه مع جيل اليوم من أبناء الجالية لتبليغ رسالته لهم للحفاظ عليه و تدوينه لعدم الضياع و التلاشي في الأعوام المديدة مستقبلا دون إحيائه والمحافظة على مكوناته الموروثة المتوارثة .
كانت أمسية مميزة في يوم تاريخي سجل بأحرف من ذهب على شرف كبار السن، لفئات مختلفة, متقاعدين, عجزة ومعوقين، حفل بهيج رسمت من خلاله إبتسامة تقدير ووقار على وجوه هاته الفئة المنسية التي طالما بقية رهينة الوضع الإجتماعي الذي تعيشه وتنتظر على بصيص أمل تفقدها من خلال فسحة تتنفس فيها الصعداء من بقعة ضوء تدخل عليهم الفرحة المرتقبة منذ مدة لتنير قلوبهم التي جفت وذبلت وفقدت الكثير من الحنين لاسيما شوق الشباب والزمن الجميل.
وختامها عنبر يفوح أريجه من كل زاوية وجهة بصلاة العشاء والدعاء الشامل وعلى شرف الحضور أعدت مأذبة عشاء مما لذ وطاب من أجود أطباقنا التقليدية المغاربية وما بها من بنة ونكهة لاتضاهيها بنة أخرى من أجود أصناف الأذاوق.
شكر و عرفان بالجميل.
فمن لا يشكر الناس. لا يشكر الله . فلا يسعنا إلا أن نتقدم بجزيل الشكر لكل من ساهم في نجاح هذه الأمسية الدينية من حيث موقعها, الإجتماعية في مضونها والروحانية في عمومها,الخيرية الإنسانية. أمسية أثلجت الصدور وأدخلت البسمة و الفرحة للعديد. الذي أكد عليه الكثير و تنموا إعادته من حين لأخر, دون أن ننسى دور العاملين الفاعلين سواء أعضاء المسجد و متطوعيه عامة, وأخص بالذكر كل الشكر لأستاذ صالح أربل على الدعوة الشخصية وإطلاعنا بموعدها وتفاصيل مجرياتها وعلى الحرص على الحضور ولكل القائيمن كبير وصغير منهم الأخوة يحي – عبد المجيد – بن عتو وكل بأسمه وشخصه على رأسهم العم الحاج مصطفى بودينار القيم المواظب على الدوام. ولكل من السادة الأخيار على سبيل المثال لا الحصر لكل من الحاج عبد القادر من رافقنا وساعدنا في الدخول لحرم المسجد وتغطية الأمسية. والعم الحاج علي رتبي والأخ فاضيلي والأخوة أحمد وسيدي خاليد أزحاف وغيرهم من باقي الخيرين حفظهم الرحمن. ولايسعنا أن لا ننسى االقائمن على الإطعام وإعداده من أجود خيرة أطباقنا التقليدية وللجميع دونما إستثناء, لما يقمن به ويقدمونه من خدمات جليلة للدعم والتحفيز للمواصلة والإستمرارية، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بجانب العمل الخيري الإنساني والتطوعي المحض ,الذي يهدف لخدمة الصالح العام لمختلف شرائح المجتمع برمتها وبجميع أطيافها دون إستثناء.
فتحية شكر و قار و إحترام للجميع وبها أسدل الستار على الطبعة على أمل اللقاء مجددا في حدث أخر مستقبلا مرتقب.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ فرنسا