إعداد د. مبارك أجروض
مما لا شك فيه أن تلوث الهواء يعد مشكلة عالمية، خصوصاً في الدول الصناعية والأكثر تقدماً، ويمثل تحدياً كبيراً لمنظمة الصحة العالمية لما له من أخطار طبية متعددة تؤثر بالسلب على أجهزة الجسم المختلفة وليس فقط الرئة، وقد تم منذ عقد كامل اعتماد ملوثات الهواء كعامل خطورة في الإصابة بأمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي، وكلما كان العمر أصغر كلما كان حجم التأثير أكبر وأسوأ.
إن تلوث الهواء لا يزال ينتشر في كل أرجاء الأرض، ويؤثر على كافة مناحي الحياة، ولقد كشفت الدراسات الحديثة أن تأثيره لا يقتصر على أمراض الربو والغثيان وأمراض الجهاز التنفسي وحتى السرطان؛ بل يؤثر على الصحة النفسية والعقلية للبشر، وهذه نقطة سوداء تضاف إلى سجل التلوث الإجرامي في حق الحياة على كوكب الأرض.
* جودة الهواء وجودة الحياة
في دراسة أجريت في جامعة واشنطن تعتمد على إجابات 6000 شخص كشفت عن وجود صلة مباشرة بين الهواء الملوث والصحة النفسية والعقلية.
ركّزت الدراسة على معرفة نسبة الجسيمات الدقيقة (التي يكون قطرها أقل من 2.5 ميكرومتر) والتي تنتج عن محطات توليد الكهرباء التي تعمل على الفحم أو الغاز الطبيعي وأفران ومدافئ الخشب ومحركات السيارات؛ ويقوم الناس بطبيعة الحال بتنفسها وتدخل إلى الدم.
وقد حددت وكالة حماية البيئة الأميركية معيار الأمان للكمية التي يمكن استنشاقها من هذه الجسيمات الدقيقة، وهي 12 ميكروغراما لكل متر مكعب (بين عامي 1999-2011)، وهي الفترة التي أجريت فيها الدراسة، حيث كانت مساكن الأشخاص المشاركين في الدراسة توجد في أحياء تتراوح كمية الجسيمات الدقيقة فيها بين 2.16 و24.23 ميكروغراما لكل متر مكعب، ومتوسط ذلك 11.34 ميكروغراما لكل متر مكعب.
وفي أثناء الدراسة تم قياس مشاعر الحزن والتوتر واليأس وغيرها لدى المشاركين، ودلّت النتائج إلى زيادة خطر المعاناة النفسية مع ازدياد كمية الجسيمات الدقيقة الملوثة في الهواء. والنتيجة الأخطر التي توصل إليها الباحثون أن كل زيادة مقدارها 5 ميكروغرامات للمتر المكعب في كمية الجسيمات الدقيقة الملوثة في الهواء تعادل فقدان سنة ونصف من التعليم. وهذا أمر جِدّ خطير على الأطفال وتعليمهم.
وقد وجدت الدراسة أن المتضررين من النساء أكثر من الرجال؛ فقد بينت الدراسة أن معاناة النساء النفسية تزداد بنسبة 39% مع ازدياد مستويات تلوث الهواء مقارنة بمعاناة الرجال.
* حلول بسيطة لمشكلة معقدة
قد يُجبر الكثير من الناس للعيش في أحياء تكون فيها نسبة تلوث الهواء مرتفعة، ولا يملكون القدرة المالية للانتقال لأماكن يكون فيها الهواء أكثر نقاءً وصلاحاً للتنفس. لذلك يمكننا – والحال كذلك – أن نلجأ لبعض الحلول المساعدة في تنقية الهواء، سواء داخل المنزل أو خارجه.
إذْ يمكن خارج المنزل زراعة الأشجار والنباتات ذات الأوراق العريضة في أية بقعة فارغة محيطة بنا، وإذا الأمر صعب، يمكن الخروج للحدائق القريبة وأخذ الأطفال للعب والجلوس هناك يومياً، مع الانتباه لمستوى تحصيلهم الدراسي، أما داخل المنزل فيمكن وضع نباتات الزينة، فقد أجريت دراسات في وكالة الفضاء ناسا وجامعة ولاية بنسلفانيا وجامعة جورجيا وغيرها من المؤسسات البحثية أن هذه النباتات تستطيع فعلاً أن تحسّن من جودة الهواء في المنزل.
فالنباتات لديها القدرة على امتصاص الغازات من خلال المسام الموجودة على سطح أوراقها، وقد تبين للعلماء أن النباتات تستطيع امتصاص غازات أخرى غير ثنائي أكسيد الكربون الذي تصنع منه غذاءها، مثل المركبات العضوية المتطايرة، كالبنزين Benzène (الموجود في دخان السجائر والمبيدات الحشرية والأقمشة وبعض المواد البلاستيكية)، والفورمالدهيد Formaldéhyde (الموجود في منظفات السجاد ومنعمات الملابس وسوائل تنظيف الصحون وبعض مستحضرات التجميل).
ولقد حذر العلماء من خطورة التعرض للملوثات، ونصحوا بضرورة أن تكون الأنشطة التي تؤدي إلى انبعاث هذه الغازات مثل مولدات الطاقة أو محارق النفايات أو المصانع المختلفة خارج المدن في أماكن بعيدة عن التجمعات السكنية والمدارس والنوادي، إضافة إلى العمل على إيجاد مصادر بديلة للطاقة غير ملوثة للبيئة. وأيضاً نصحت الدراسة الآباء بمحاولات تجنب السكن على الطرق السريعة والشوارع الرئيسية المكتظة بالمركبات، كلما أمكن ذلك، حيث إن خطرها على الأطفال بالغ الخطورة، ونصحت الحكومات بضرورة الاهتمام بالبيئة والتشجير المستمر.