في قلب المشهد الفني المغربي المعاصر، يبرز الفنان محمد البقالي كأحد أبرز الذين جمعوا بين التراث والحداثة في تجربة تشكيلية متفردة. وُلد البقالي بتطوان سنة 1959، وبدأ اهتمامه بالفن منذ الصغر، قبل أن يواصل دراسته في المدرسة الوطنية للفنون التطبيقية بفاس، ثم في المركز التربوي الجهوي بالرباط-سلا. عمل أستاذًا للتربية التشكيلية لعدة عقود، وأشرف على تأطير أجيال من الفنانين، كما تجاوزت أعماله الحدود الوطنية لتصل إلى أوروبا وأمريكا ومؤسسات فنية كبرى بالمغرب وإسبانيا.
تميزت لوحات البقالي الزيتية، التي أنجزت عام 2018 وما قبل جائحة كوفيد-19، بتوظيف التراث المغربي كمصدر أساسي للإلهام. فاللون الأحمر يرمز للطاقة والحيوية، والبني للجذور والتاريخ العميق، والأصفر للتجديد والجرأة، والأزرق للتوازن والسكينة، والأخضر للتناغم والوفرة. إضافة إلى ذلك، استعمل الفنان الدوائر والأشكال الكروية للتعبير عن الخلود، والخط الكاليغرافي العربي ليضفي بعدًا روحيًا وصوفيًا، مستلهِمًا من التراث الإسلامي الغني بالرموز والفنون البصرية.
تعكس أعمال البقالي قدرة الفنان على مساءلة التراث وتطويره، بعيدًا عن التقليدية الجامدة أو التباهي الزائف بالمعاصرة. فهو لا يكتفي بمحاكاة الماضي، بل يحوله إلى أداة للتعبير عن قضايا الحاضر، مع الحفاظ على الهوية البصرية والثقافية المغربية. هذه الرؤية الحداثية المرنة تسمح للتراث بأن يكون حاضرًا وحيويًا، ويؤكد أن الفن المعاصر قادر على الجمع بين الذاكرة والجديد، بين الأصالة والابتكار، بطريقة تتفاعل مع المشهد الثقافي والاجتماعي اليوم.
تجربة محمد البقالي تثبت أن التراث المغربي ليس إرثًا جامدًا، بل مصدر مستمر للإبداع والتجديد. كما تبرز أهمية دور المثقفين والفنانين في المحافظة عليه وتطويره، ليبقى رافدًا غنيًا للهوية والجمال في الفن المغربي الحديث، يواكب التحولات المعاصرة ويخاطب الأجيال الجديدة بأسلوب بصري وإبداعي فريد.