الزمان: 13 يوليو سنة 1943
المكان: ملعب “تشامارتين” بالقرب من مركز مدينة مدريد
لم يبق من أواصر العلاقة بين جماهير ريال مدريد وبرشلونة في منتصف القرن الماضي سوى شعرة جاء الديكتاتور فرانكو ليقطعها ويؤجج العداوة بين الطرفين إلى يومنا هذا.
ولأن دائمًا يوم الكلاسيكو يحمل أجواء مختلفة في إسبانيا، فإن 13 يوليو من عام 1943 كان على موعد مع حدث غير عادي روته العديد من الصحف الإسبانية بسيناريوهات مختلفة، إلا أن ما جاء في قصة الصغيرين أندرياس وسيرجيو كان الأقرب إلى الحقيقة.
انتقل والد أندرياس من إقليم كتالونيا إلى مدريد للعمل أثناء فترة حكم فرانكو الذي قام بانقلاب عسكري ضد الجمهورية الإسبانية الثانية، ولكن ظهر لهذا الديكتاتور أعداء في كتالونيا والباسك.
وكان التخفي وإطماس الهوية هو السبيل الوحيد لوالد أندرياس للبحث عن كسب العيش في مدريد دون أن يعلم أحد أنه من إقليم المعارضين.
وما بذله والد أندرياس خلال سنوات للتخفي أفسده نجله الذي صنع صداقة مع سيرجيو وبات الصغيران يلعبان معًا يوميًا، إلى أن جاء الحدث الفارق.
اصطدم ريال مدريد ببرشلونة في نصف نهائي كأس الجنرال (الذي تحول بعد ذلك إلى كأس ملك إسبانيا)، وأقيمت مباراة الذهاب في كتالونيا وانتهت بفوز البارسا بثلاثية نظيفة، ولكن بعيدًا عن الأحداث داخل المستطيل الأخضر، كانت المدرجات هي من تصنع الحدث.
إذ إن جماهير برشلونة طوال موقعة الذهاب حولت المباراة إلى جحيم على ريال مدريد من خلال الهتافات العدائية، وهو الأمر الذي استلزم فيما بعد اعتذارًا من البارسا على ما حدث.
على الجانب الآخر، كان الإعلام المدريدي ينتظر بفارغ الصبر مباراة الإياب على ملعب الريال لرد الصاع صاعين، وبدأت تخرج مناشدات الحشد والتصعيد ضد البعثة القادمة من كتالونيا، لدرجة أن صحف برشلونة بدأت تحذر الجماهير من السفر لحضور هذه المباراة.
وبالفعل لم يحضر هناك أي مشجع لبرشلونة في ملعب “تشامارتين” باستثناء أندرياس الذي اتفق مع صديقه سيرجيو على الذهاب إلى المباراة والجلوس في أعلى نقطة بالاستاد للابتعاد عن الجماهير المتوهجة والتي كانت حريصة على الاقتراب من لاعبي برشلونة لإخافتهم طوال الموقعة.
يوم المباراة
تحرك الصغيران معًا من الحي النائي في مدريد للاقتراب إلى المركز حيث يوجد ملعب “تشامارتين”، وطوال الرحلة كانت مشاهد جماهير الميرنجي المتحمسة مثيرة لإعجاب سيرجيو، بينما أندرياس بدأ يشعر بمقدمات الكارثة.
وصل سيرجيو وأندرياس إلى الملعب وهناك نجحت خطتهما في الجلوس بأعلى نقطة في الملعب والابتعاد عن الحشد الذي يزداد كلما اقتربت المقاعد من الملعب.
حان وقت المباراة إلا أن لاعبي برشلونة تأخروا في الظهور بأرضية الملعب، وبدأ الصغيران في التساؤل هل انسحب البارسا ولم يأت، ولكن بعد فترة لم تتجاوز 10 دقائق خرج من الممر القادم من غرف الملابس مدير الأمن الوطني وهو الذراع الأيمن لفرانكو واتبعه عقب ذلك اللاعبون والجهاز الفني للفريق القادم من كتالونيا.
مفاجأة صادمة
انطلقت صافرة المباراة، ولكن المفاجأة أنها لم تكن حماسية على الإطلاق، ولكن لاعبي برشلونة يحاولون تمرير الكرة في وسط ملعبهم وكأن الأمر أشبه بالتدريب، دون أي محاولة للهجوم على الريال.
وكانت أجواء الاستاد في ذلك الوقت متوجهة لدرجة لا توصف، فبعد أن شاهد لاعبو ريال مدريد الجحيم في موقعة الذهاب بكتالونيا، جاء وقت رد الصاع أضعافًا في مدريد.
لم يكتف المشجعون في مدريد بإطلاق الهتافات العدائية كما حدث من جماهير برشلونة في الذهاب، ولكن الأمر وصل إلى تهديدات بالقتل للاعبي البارسا عقب نهاية المباراة.
أدرك لاعبو الريال أن أقدام لاعبي برشلونة ترتعد داخل الملعب وأن وجههم الشرس الذي ظهر في لقاء الذهاب لم يعد حاضرًا، وهنا انقض نجوم الميرنجي لمهاجمة البارسا بلا هوادة لدرجة أن الشوط الأول من اللقاء انتهى بتقدم الفريق الملكي بنتيجة 8-0.
وبعد أن كان يصيح سيرجيو مع الهدف الأول والثاني لفريقه في المباراة، بات يكتفي بالتصفيق مع كل كرة أخرى تسكن الشباك إلى أن أدرك أن الأمر بات منتهيًا فور قدوم الهدف السادس، فليس هناك أي رد فعل من المنافس الذي يحاول الخروج بأقل الخسائر.
أما أندرياس فقد كانت صدمته مروعة وحاول إقناع صديقه بالمغادرة بين الشوطين، ولكن الأمن أغلق كل الأبواب، ولذلك أجبر الصغيران على البقاء حتى نهاية المباراة الهزلية.
خلال الشوط الثاني من اللقاء ظهر لاعبو برشلونة بنفس الوجه الشاحب والأقدام المرتعدة ولكن في المقابل قل حماس لاعبي الريال والجمهور أيضًا الذي أيقن أنه أتم المهمة بنجاح ووضع فريقه في نهائي كأس الجنرال بعد هزيمة مخجلة للمنافس اللدود.
وعقب نهاية المباراة بفوز ريال مدريد بنتيجة 11-1، ظل سيرجيو وأندرياس في المدرجات وهو الأمر ذاته للاعبي برشلونة الذين لم يتحركوا من المستطيل الأخضر إلا عقب انتهاء اللقاء بأكثر من ساعة، حيث ابتعدت جماهير الميرنجي التي تحتفل بالانتصار التاريخي عن محيط الاستاد.
وطوال رحلة العودة ظل الصغيران في حالة من الصمت، كما أنهما لم يلتقيا لأيام عقب المباراة، إلى أن بدأت الصحف الكتالونية والمدريدية في إطلاق تفسيرات لما حدث في لقاء الكلاسيكو التاريخي.
وهنا امتلك أندرياس دليل براءة فريقه أمام سيرجيو من عار النتيجة المذلة، حيث إن الصحف الكتالونية فسرت تأخر نزول لاعبي برشلونة إلى أرضية الملعب بأنهم تعرضوا لزيارة مفاجئة من مدير الأمن الوطني في غرف الملابس والذي قال لهم نصًا: “لا تنسوا أن النظام يتكرم عليكم، ويسمح لكم باللعب، رغم افتقاركم للوطنية”.
أما سيرجيو فقد قرأ رواية مضادة في الصحف المدريدية والتي ادعت أن هذه هي عادة برشلونة في المواجهات الكبرى، حيث سبق أن سقط البارسا أمام أتلتيك بيلباو قبل سنوات بنتيجة 12-1 وأمام إشبيلية بنتيجة 11-1 دون ادعاءات بوجود تهديد وقتها.
وبين هذا وذاك ظلت الحقيقة الكاملة لهذه الموقعة التاريخية غائبة عنا إلى هذا اليوم.
هذا مجرد سيناريو تخيلي كل كواليسه مقتبسة من الأنباء التي نشرتها الصحف الإسبانية عن مباراة الكلاسيكو الشهيرة عام 1943.