إنَّ الميثولوجيا الأمازيغية، وعلى العكس من الأساطير الخاصة بالشعوب التي كانت تتواجد في عصر البروتولتريت، لم تقم بتدوين أساطيرها كتابيًا والتوثيق لها فاكتفت بسردها ونقلها شفهيا بين الأجيال، وفي العقل الجمعي لدى شعوبها، كما هو معروف عن الأساطير، وعلى إثر ذلك فقد تعرضت لظلم وتعتيم على مر القرون مع عدة عوامل أخرى مثل انتشار الإسلام الذي حد من نشر هذه الأساطير أو الاحتلال الفينيقي والروماني الذي طمس حصصًا من هويتها باختلاطها معها، بالرغم من هذا الاختلاط هناك إيجابيات عديدة له، لكن بالمقابل فإن أكثر الأشخاص الذين حافظوا عليها هم الأمازيغ أنفسهم الذين ظلوا متمسكين بالعادات والتقاليد من أحفاد الطوارق في الصحراء أو الذين فضلوا الانعزال في الجبال خوفًا على الهُوية.
ومن جهة أخرى فإنها تتسم بالإيجابية فقد قام الدخول الروماني والفينيقي بحفظ جُغرافيتها، وميراث شعبها بتأريخها ولفت الأنظار إلى شمال إفريقيا من دون نسيان المؤرخين والفلاسفة اليونان والرومان واللاتينيين والأمازيغ والعرب الذين تحدثوا عنها من كل جانب مثل؛ هيرودوت، ديودور الصقلي، كوريبوس، القديس أوغسطين، بن خلدون، ابن عذارى المراكشي، سترابون، بومبينوس، سكيلاكس، سالوست وبليني الأكبر.
إن الثقافة الأمازيغية بشكل عام مثلها مثل جميع الثقافات العالمية التي تحدثت عن الكون وأسراره وغرائبه وغرائزه..
فالكون أو الدنيا، وبالأمازيغية المتداولة… دونيت… أو اماضال.. ليس جديدا في الثقافة الشعبية الأمازيغية… فالأمازيغ استنطقوا الكون والطبيعة وضربت أمثال كثيرة عن هذا الكون العجيب الغريب الذي ما زال يحير العلماء والباحثين وغيرهم من بني البشر.
إن دراسة الكون لا تنفصل وجوديًا عن دراسة الذات التي تشكل أحد نتاجات الكون الأصيلة، ولعل دراسة الكون وغوامضه هي المفتاح لفهم الذات، وهذا ما أراه يعبر عن المضمون العميق لجملة سقراط بأن يعرف الإنسان نفسه، وهذا ما أراه يعبر عن المضمون الغني لدراسات فلاسفة اليونان ومن قبلهم الميثولوجيات الدينية لحل لغز الوجود الكوني وفي نفس الوقت من خلاله دخول عالم الذات العميق، ومن هذا المنطلق بالذات أجد التقاطع التاريخي بين الكونيات والفلسفة، فكليهما يعبران عن طرح شمولي للفهم، وكليهما قائمان على تساؤلات وفرضيات ونظريات وتخيلات لعوالم ممكنة، ويكفي أن نفهم التقاطع العميق بين مونادات لايبنتز الفلسفية وعوالم أفريت الكونية، ومفهوم الزمن الفلسفي مع زمان النسبية العامة، وشمولية جبرية اسبينوزا مع مفاهيم الكون الثابت، ونظرية الخير عند أفلاطون أو الفراغ عند ديمقريطس أو الله عند لايبنتز التي تؤدي كلها الدور نفسه في النظرية الكونية، وتصورات موسيقى الكرات القديمة للكون عند الفيثاغورثية مع نظرية الأوتار الفائقة الكونية التي تقترح أن المشهد المجهري للمادة تغمره أوتار دقيقة تتحكم أنساق اهتزازاتها في تطور الكون، لنرى مدى التقاطع التاريخي بين نمطي المعرفة..
ومن بين الأمثال الشعبية الأمازيغية إليكم هذه القصيدة الشعرية الأمازيغية لأحد المتصوفين الأمازيغ القدامى وهو يتحدث عن الكون…، دونيت حيث قال:
ادونيت اتار لاماناياساراگ ن دنوبي
ادونيت اتار لاماناياسگنيئيلان غ لبور
تغدرتي تغدرت والي كنت ئيبنان ابو نزاهات
ئيبنو كنت اتاشرافينئيدو س اكال ئيزدغگيس
ايامكسارارد وولي ياغوزالاكيوسفردي
اهان اجديگانتزريتءيلا فلاس لحسابي
إن الدنيا أو الكون هنا هو غدار يغدر بالإنسان ويغريه بإعاجبه حتى ينسى الإنسان خالقه كما جاء في هذه القصيدة التصوفية القديمة الرائعة.
فالإنسان يجب أن يكون كالراعي الذي يرعى الغنم ويعكف حتى لا تتجاوز أغنامه هذه الحدود.
وهناك مثل آخر قيل بلسان الحيوان ويضرب بين الناس حيث قال القنفذ.. وبالامازيغية…بومحند… او ئينيسي
ئينابومحند… قال القنفذ:
… دونيتؤر تعودي ءيميؤرتاتؤفيغ…
فالكون حسب المثل لا نهاية له وليس هناك بابا للخروج منه.
وجاء على لسان نفس الحيوان، أي القنفذ
ئينا بومحند …قال القنفذ:
دونيت اياد داتزيگيز خار تساقلاي
هذا المثل الشعبي مصدره قصة أمازيغية قديمة جرت بين القنفذ ورفيقه الذئب عندما كان يتجولان حتى أصابهما العطش، ففكر القنفذ في حيلة فنزل في دلو إلى قاع بئر فشرب حتى شبع فأطل عليه الذئب فقال له القنفذ يا صاحبي هنا في هذا القاع أغنام كثيرة.. فلما سمع الذئب هذه الرواية نزل في دلو آخر، في الوقت الذي دخل فيه القنفذ إلى دلو آخر، فلما التقيا في الوسط قال له الذئب إلى أين يا صاحبي فأجابه القنفذ هذه هي حال الدنيا يا صاح فيها الطالع وفيها النازل، فتركه حتى مات وحيدا في قاع البئر.
وحول الدنيا أو الكون يقول أحد الشعراء القدامى الذي شبه الدنيا بالنسيخ، وشبه الخيوط بالأيام، والفصول بالحديد، والقصب بالمطر، وذلك في بيت شعري رائع حيث يقول
تگادونيتازطا
گونؤسانءيفالان
گونءيزمازؤزال
ءيگؤزالاغانيم
وقال شاعر آخر، والذي اعتبر الكون أو الدنيا بمثابة حقل، وبدوره البشر والحصاد هو عزرائيل الذي يحصد أرواح الناس حيث قال:
ئيگراتگادونيت
ئيگ بنادم امود نس
ءيگو سيدنا ازراين
اشووال خار مگرن
ويقول مثل شعبي آخر
…زوند يان م ءيتملادونيت اغو تسرس ازد امان
اي مثل الدي ظن ان الدنيا لبنا فوجد ماء
وهناك مثل آخر قيل بلسان الحرباء.. وبالأمازيغية.. كاشا.. أومحباوش
قالت الحرباء… تنا كاشا
… اسي اضار سرس اضار اورن سراك تگراولدونيت
اي ءيمشي رويدا رويدا حتى لا تنقلب عليك الدنيا
وماذا قالت الأسطورة الشعبية الامازيغية حول الكون..؟؟
حسب العقلية الشعبية الأمازيغية السائدة هنا.. من الذي أخد الدنيا بقرنه حتى لا تنقلب؟؟..
لقد أجابت الأسطورة الشعبية الأمازيغية السائدة هنا بمنطقة تازناخت، أو قل بايت واوزكيت بصفة عامة.. تقول الرواية… إن هناك ثورا كبيرا طوله طول الكون هو الذي أخد الدنيا بقرن واحد فقط لكن عندما نسمع عن الهزة الأرضية فاعلم ان هذا الثور هو الذي استبدل الدنيا الى قرن اخر حتى يستريح، وهكذا بقيت الدنيا او الكون في قرن هذا الثور وستفنى عندما يتركها تسقط إذ ذاك ستنفجر الدنيا أو الكون وسينتهي البشر وسيفنى إلى الأبد.. نعم هذه هي الأسطورة السائدة بايت واوزكيت.
- المصادر والمراجع
- أسطورة الكون أو الدونيت.. الشفوية السائدة بمنطقة ايت واوزكيت إلى اليوم
- المصادر[عدل]
- الكون- تأليف دافيد برجاميني – مكتبة لايف العلمية – بيروت – 1971.
- الكون- تأليف كولينرونان – الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت – 1980.
- الكون الأحدب- تأليف د. عبد الرحيم بدر – بيروت – لبنان – 1980.
- الكون الراديوي- تاليف جي. أس. هي –ترجمة عبد الكريم علي- بغداد -1991.
- قراءة مخططات نشوء الكون- مجلة العلوم الأمريكية – النسخة العربية – عدد أبريل 2004.
- «توسُّع الكون من تباطؤ إلى تسارع» نفس المصدر السابق- عدد مايو 2004.
- المصادر[عدل]