النقابة الوطنية للصحافة المغربية في مواجهة مفتوحة مع مشروع قانون المجلس الوطني

مجلة أصوات

مجلة أصوات

عقد المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية اجتماعه مساء الجمعة 26 شتنبر 2025 بالمقر المركزي بالرباط، في ظل أجواء مشحونة تعكس حجم القلق الذي يثيره مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة الذي صادق عليه مجلس النواب وأحاله على مجلس المستشارين. الاجتماع حضره 14 عضوا مع تسجيل اعتذار ثلاثة أعضاء لأسباب مهنية مبررة، فيما سجل غياب أربعة أعضاء بدون اعتذار، ليشكل بذلك محطة أساسية في مسار مواجهة نقابية تعتبر أن المشروع المعروض يمثل خطرا على التنظيم الذاتي للمهنة وعلى جوهر حرية الصحافة بالمغرب.

 

في بداية الاجتماع، أجمع أعضاء المكتب التنفيذي على تجديد موقفهم الرافض لهذا المشروع، وهو الموقف الذي سبق أن حددته النقابة في بيانها الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2025، والذي رسم خطة واضحة لمواجهته عبر الترافع والاحتجاج والتنسيق مع مختلف الفاعلين. ورأت النقابة أن الطريقة التي تم بها تمرير النص في مجلس النواب افتقدت للحد الأدنى من التشاركية، وتجاهلت بشكل كامل مقترحاتها ومذكراتها المكتوبة، لتفضي إلى صيغة تضرب في العمق مبادئ الاستقلالية والتوازن والشفافية، وتكرس تمييزا مرفوضا في تمثيلية الجسم الصحفي داخل المجلس الوطني للصحافة.

 

المجتمعون أكدوا أن المشروع في صيغته الحالية جاء خارج الفلسفة الدستورية، وبعيدا عن روح المقاربة التشاركية التي تعد قاعدة ملزمة في التشريعات المرتبطة بالحريات والحقوق الأساسية، معتبرين أن تمريره بهذا الشكل لا يشكل فقط تراجعا، بل يشكل أيضا إجهازا على التعددية والعدالة التمثيلية والنقابية، ومساسا خطيرا بمبدأ التنظيم الذاتي الذي يمثل أحد ركائز الصحافة الحرة والمستقلة. وفي هذا السياق، أبرز المكتب التنفيذي الجهود التي بذلتها النقابة في مسار الترافع، من لقاءات مع قيادات سياسية ونقابية وبرلمانية، إلى حملات إعلامية وتعبوية واسعة، مؤكدا أن التنسيق مع مختلف الهيئات المساندة سيستمر وسيتوسع في المرحلة المقبلة، خصوصا على مستوى مجلس المستشارين الذي سيشكل محطة مفصلية في معركة التصدي لهذا المشروع.

 

وفي سياق متصل، أكد المكتب التنفيذي أن المواقف المعبر عنها من قبل رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية تترجم الخط النقابي الرسمي، وتشكل التعبير الشرعي والوحيد عن موقف التنظيم، في حين أن أي تصريحات أخرى خارجة عن هذا الإطار لا تلزم النقابة. كما توقف الاجتماع عند مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون، وهي المذكرة التي استندت إلى الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مقدمة خمسة مبادئ مؤطرة وأربعين توصية دقيقة همت حرية التعبير والتمثيلية والتعددية والاستقلالية والشفافية. واعتبر المكتب التنفيذي أن هذه الوثيقة تشكل مرجعا نوعيا يفرض على المشرع إعادة النظر في النص القانوني المعروض.

 

وبالانتقال إلى ملف الدعم العمومي، وجهت النقابة انتقادات لاذعة للمرسوم رقم 2.23.1041 والقرارات المشتركة الصادرة سنتي 2024 و2025 المنظمة لطرق صرف الدعم وأسقفه، معتبرة أنها أقصت النقابة وممثلي الصحافيين المهنيين من مسار الإعداد ومن لجنة الدعم، ورسخت تمييزا واضحا بين المؤسسات الإعلامية، مع تغييب تام للاتفاقية الجماعية والحقوق المهنية والاجتماعية للصحافيين. وشدد المكتب التنفيذي على أن هذه القرارات تضرب المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتضعها في مواجهة معايير مالية مجحفة، في وقت ظلت فيه كل المؤسسات، ومنذ جائحة كوفيد-19، تستفيد من الدعم الاستثنائي دون تمييز.

 

النقابة طالبت الحكومة، وخاصة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بضرورة تحمل مسؤولياتها كاملة في تصحيح هذه الاختلالات، من خلال تحيين الاتفاقية الجماعية والرفع من الأجور وضمان الحماية المهنية وتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين، إضافة إلى صرف الدعم في آجاله القانونية وإنصاف المقاولات الإعلامية الصغرى والمتوسطة أمام مؤسسة الضمان الاجتماعي. كما أعلنت أنها ستتجه نحو خطوات نضالية تصعيدية لمواجهة الغموض والتأخير الذي يطبع تنفيذ الاتفاق الاجتماعي وتوقيع الاتفاقية الجماعية، مطالبة بتطبيقها بأثر رجعي يتضمن الزيادات المتفق عليها.

وفي خضم النقاش، سجل المكتب التنفيذي قلقه العميق من متابعة صحافيين مهنيين بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، وهو ما اعتبره مؤشرا خطيرا على استهداف حرية التعبير وفضاء التعددية، داعيا إلى تصفية المناخ الحقوقي العام وربط الحرية بالمسؤولية في إطار الضمانات الدستورية. كما صادق الاجتماع على ترتيبات تنظيمية خاصة بدورة المجلس الوطني الفدرالي المزمع عقدها نهاية أكتوبر 2025، باعتبارها محطة استراتيجية لتعزيز وحدة النقابة وتماسكها في مواجهة ما وصفه بـ”الهجمة التشريعية والإدارية” على الصحافة الوطنية.

ولم يفت المكتب التنفيذي التوقف عند القضية الفلسطينية بمناسبة يوم 26 شتنبر، الذي اعتمده العالم تكريما لنضال الصحافي الفلسطيني. وقد عبر المجتمعون عن إدانتهم المطلقة للجرائم الإسرائيلية التي استهدفت الصحافيين، حيث أكدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين استشهاد أكثر من 252 صحافيا وتدمير أزيد من 670 منزلا بشكل كامل منذ اندلاع حرب الإبادة، فضلا عن نزوح آلاف الصحافيين مرارا تحت القصف. وأكدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية انخراطها في كافة المبادرات التضامنية ودعم جهود توثيق هذه الانتهاكات من أجل رفعها إلى المحاكم والهيئات الدولية المختصة لمحاسبة الجناة.

بهذا الموقف الصارم، تكون النقابة الوطنية للصحافة المغربية قد وضعت الحكومة والبرلمان أمام اختبار سياسي وحقوقي حاسم، معلنة بوضوح أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مشروع تعتبره تراجعا خطيرا على حرية الصحافة، وأنها مستعدة لخوض كافة الخطوات النضالية الممكنة دفاعا عن استقلالية المهنة وكرامة الصحافيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.