محمد عيدني فاس
بعد مرور نصف قرن على المسيرة الخضراء المظفرة، يجد المغرب نفسه اليوم في لحظة تاريخية جديدة، تتويجاً لمسار دبلوماسي قاده جلالة الملك محمد السادس بحكمة وبعد نظر، ترسخت معه القناعة الدولية بعدالة القضية الوطنية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحلّ واقعي ونهائي لنزاع الصحراء.
الخطاب الملكي الأخير لم يكن مجرد خطاب احتفالي بذكرى وطنية، بل إعلاناً صريحاً عن مرحلة جديدة عنوانها “المغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة”، وتأكيداً على أن مسار الأمم المتحدة بات اليوم أكثر وضوحاً بعد القرار الأممي الأخير الذي تبنّى المقاربة المغربية ودعا الأطراف كافة إلى الانخراط في المفاوضات دون شروط مسبقة، على أساس مبادرة الحكم الذاتي.
لقد نجح المغرب، بفضل قيادة جلالته الرشيدة، في بناء شبكة من الثقة مع القوى الكبرى المؤثرة في القرار الدولي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا، وهو ما جعل الموقف المغربي يحظى بدعم واسع باعتباره نموذجاً للحكمة السياسية والبراغماتية الدبلوماسية في تدبير القضايا الإقليمية المعقدة.
وفي هذا السياق، يبرز البعد الإنساني والسياسي لدعوة المغرب الدائمة إلى إعادة فتح الحدود مع الجزائر، واستئناف العلاقات الأخوية بين البلدين الجارين على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار. لقد أكدت المملكة، في أكثر من مناسبة، استعدادها الصادق للحوار والتعاون من أجل بناء مستقبل مشترك، يقوم على التكامل الاقتصادي والوحدة المغاربية التي كانت دوماً حلماً مؤجلاً لشعوب المنطقة.
فالتاريخ لا ينسى ما جمع المغرب والجزائر من روابط الدم والجوار والمصير، كما لا ينسى مواقف التضامن التي سطّرها المغاربة تجاه أشقائهم الجزائريين إبّان فترة الاستعمار الفرنسي، حين احتضنهم الشعب المغربي وشاركهم المعاناة والأمل في التحرر.
واليوم، بعد القرار الأممي التاريخي، تتجه الأنظار نحو شمال إفريقيا حيث تتقاطع مصالح الشعوب مع رهانات الأمن والتنمية، في منطقة أصبحت محط اهتمام القوى الكبرى. فإرادة المصالحة والوحدة لم تعد مجرد شعارات، بل ضرورة استراتيجية تمليها التحديات الاقتصادية والجيوسياسية.
إن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يمد يده مجدداً لجيرانه بصفاء النية وصدق الرؤية، إيماناً منه بأن الغد المغاربي لن يُبنى بالجدران ولا بالحدود المغلقة، بل بالحوار والتكامل والتاريخ المشترك الذي يربط الشعبين الشقيقين منذ قرون.