الجزء الثاني
تقرير محمد حميمداني و سمية مفكر
في معرض ردها على سؤال لجريدة “أصوات” خلال الندوة المنظمة لتقديم كتابها على هامش المهرجان، اعتبرت “مريم” أن كل الانتقادات التي توجه هي إيجابية لأنها أساس بناء التطور، فهي ضرورية لبناء الوعي حول السينما المغربية، و الحاجة لسياسة ثقافية نقدية تؤسس لديمقراطية في التعاطي مع الإنتاجات السينمائية و تجاوز الساقط في مسار الإنتاج و الإبداع ترسيخا لمقاربة بناءة تؤسس لانطلاقة سينمائية فعلية ، متسائلة كيف يحلو للجنة الدعم عدم صرف كل المبالغ المخصصة للدعم في وقت توجد فيه عائلات تنتظر هذا الدعم، مؤكدة على أن الحاجة تقتضي حضورا وطنيا و تجاوزا لكافة التأثيرات التي لا تنسجم مع هويتنا الوطنية و المغربية .
و في سياق لقاء عقدته جريدة “أصوات” بعد الندوة مع المبدعة الفنانة الإنسانة العصامية “الدكتورة مريم آيت بلحسين” و التي قاربت من خلاله سياسة المغرب في المجال السينمائي و حضور البعد الأكاديمي في كتابها وعملها داخل الممارسة الفنية
إنتاجا و إخراجا و الذي أثمر أربعة أفلام قصيرة و 3 وثائقيات و فيلم طويل سيرى النور قريبا يحمل عنوان “بابا ماركس” .
و من خلال هذا اللقاء و بقلب مفتوح و منفتح على الصراحة و قوة المخزون الداخلي ، قاربت “مريم” مسار تدرجها الفني من بوابة جامعة الأخوين، و رحلة التكوين في مجال طرق التسويق، و توجهها للمجال السينمائي من بوابة أستاذ يعمل في هذا المجال كان المنارة التي وجهتها لسبر أغوار المجال السينمائي و الفني، و توجهها لدراسة التواصل بالجامعة، و كما قالت بصدق معبرة عن إحساسها الأولي و هي تصعد أدراج المركز السينمائي المغربي في تلك السن الصغيرة “20 – 21 سنة”، و احتضان زملاء لها لتلك النبتة الصغيرة، و مدها بكل مقومات الصمود و الحياة الفنية، و رحلة عبورها صوب جامعة باريس 3 “السوربون حاليا” بموازاة مع عملها في مجال الإخراج و الإنتاج السينمائيين .
مشيرة إلى الإكراهات التي اعترضت إتمام مهام البحث التي قامت بها في إفريقيا على الخصوص، و كما قالت بلغة التحدي أن تلك الإكراهات أصبحت تشكل قيمة جمالية في حياتها لاحقا، لأنها سمحت لها في مركز البحث من المشاركة في مجموعة من الأبحاث العالمية و خاصة في أدغال افريقيا، في مواضيع تتعلق باستهلاك الصورة السينمائية وتطور هذا الاستهلاك، و كل ما يرتبط بالمهرجانات السينمائية و تأثيرها في التربية على الصورة السينمائية، و تقريب المخرج و المنتج من الجمهور و النقد السينمائي و أعمال البحث التي قامت بها حول المهن السينمائية رفقة مجموعة من السينمائيين الافارقة .
و أشارت “مريم” أن السينما المغربية أصبحت حاضرة بفضل عطاء “نور الدين الصايل”، يمكن أن ننتقدها و لكن على الأقل هناك شيء هو موقع النقد قد تأسس، لأن هاته الهامة تفانت في بناء الصناعة و الفكر المرتبطين بالثقافة السينمائية و تطوير التعاون المغربي الافريقي من خلال الانتاجات المشتركة التي استفاد منها المغرب الشيء الكثير و كذلك الشركاء الأفارقة.
و في مضمار تقييمها لحضور الفنان في سوق السينما و فق التصور الذي رسخه المرحوم “الصايل”، أكدت “مريم” أن هذا الحضور يكمن في العطاء و الرسالة التي حملها داخليا و خارجيا من أجل الوطن و الإنسان، و جعله السينما سفيرا فوق العادة يعزز أواصر العلاقة بين المغرب و بلدان و شعوب إفريقيا، خدمة لقضايا القارة السمراء و الإنسان الإفريقي بعيدا عن منطق الربح الذي يلف العلاقات الكونية في إطار براغماتية مصلحية محضة.
إن المطلوب هو استثمار حب إفريقيا للمغرب، و استلهام الخطوات التي عززها “الصايل” كثقافة و ممارسة من قبل إدارة المركز السينمائي المغربي الحالية، و هو الجوهر الذي حاولت المؤلفة إيصاله كرسالة مركزية من خلال كتابها هذا،
في انسجام تام مع منهج علمي أكاديمي، و في ارتباط مع كينونتها الثائرة المتمردة عن الرتيب و السوقي المنحط الذي يكبل التطور و بناء الإنسان قبل المؤسسات، أي أن الجرأة في المجال الفني لا تعاكس الموضوعية و العلمية في التعاطي مع القضايا و الإشكالات المعرفية و الفنية، طالما أن هذا النقد بناء و موضوعي.
و عرجت الباحثة على فضاء التسويق للمنتوج السينمائي الذي يبقى الثقب الأكبر الذي يعيق تطور الإبداع، لأن المدخول السينمائي في المغرب ضعيف بكل ما تحمله الكلمة من معنى إن قورن بباقي دول العالم، و حضور الدولة في الحقل الثقافي و الفني يبقى ضروريا ليس للاعتبارات المادية فقط بل الأهم هو الاستثمار في العنصر البشري و خلق الإنسان من خلال
الرسائل التي يحملها الفن عبر المساهمة في بناء مواطن خادم لقضايا الوطن والأمة و الإنسان، لأن الإنتاج هو من أجل المجتمع، أي أنه يصبح و الحالة هاته حاجة مجتمعية كما الغذاء .
و عن حضور المرأة ضمن المشهد السينمائي أوضحت “مريم” أن المرأة حينما تلج سوق الشغل و ضمنه السينمائي، فكأنما هي في سباق ،
إن نجحت فنجاحها مرتبط بكونها امرأة تمتلك الإغراء أكثر من الإمكانات و الطاقات الإبداعية و الفكرية و التقنية، و إن فشلت فلأنها أيضا امرأة ناقصة من كل شيء، إنها الصورة النمطية المغروسة و التي يجب أن تحطم، و المرأة المغربية و الحمد لله حققت الكثير بفضل الرجل، أقولها، و ليس بفضل المرأة، لأن النساء الذين يتبنون قضيتهن هم أقلية في الشارع العام.
و في مضمار ردها عن سؤال متعلق بدور السينما؟ و هل استطاعت خلق الإنسان المغربي المكافح ،الوطني و الديمقراطي المؤمن بالحق أمام هذا السيل من الهزل الذي يلف المشهد السينمائي و التلفزي؟ قالت “مريم” سأجيب عن هذا السؤال من خلال مجموعة من الإشارات ، فالإنتاج السينمائي المغربي أصبح رهينة استجابة لموجات معينة، فمثلا مع تشكل هيئة الإنصاف و المصالحة، أصبحنا نجد إنتاجا يتعاطى مع قضايا مرتبطة بالمجال من قبيل “درب مولاي شريف …” من طرف جل المخرجين، بل أصبحنا أمام تنميط العمل السينمائي، بمعنى أن الفيلم ليكون جميلا عليه أن يتضمن مشاهد البؤس و أحياء القصدير و الكلام الساقط “الحكرة …”، هل هذا هو المغرب؟ على الرغم من إقرارنا بوجود مثل هاته المشاهد و الصور، لكن هناك قيم أخرى مغيبة عن المشهد السينمائي من قبيل قيم التآزر و التكافل الاجتماعي، فأنا ابنة مراكش ، تقول “مريم”، و الثقافة المراكشية كانت تحمل قيما اجتماعية كبرى فهي تحمل قيمة جميلة مفادها أن المراكشي حينما يذهب إلى الجزار لشراء اللحم يترك له نصف كيلو من اللحم مؤذى ليعطيه لأي محتاج يتقدم إليه “تسمى العباسية” و قيم كفالة اليتيم … الخ من القيم الاجتماعية الجميلة، و هي قيم لا نراها في أفلامنا المغربية.
فمجتمعنا غني بثقافة إنسانية عالية و قيم روحية سامية ، و ما يتم نقله هو قيم الانحطاط، إنه موروث ثقافي، هي قيم لا تخدم البناء الاجتماعي، و هاته الموجة عالمية و ليست مغربية، ففي حديثنا عن القيم يجب إحداث صدمة في الواقع و تجاوز ثقافات التنميط و التحنيط البعيدة عن قيم الواقع المغربي، و تجاوز ثقافات العنف و القتل و تقديس الدم التي تنقلها لأطفالنا السينما الأوروبية و الأمريكية البعيدة عن قيمنا و مكونات كينونتنا، لأن المتلقي يتقمص ما ينتج و يعرض عليه،
فالحضور الدرامي و قوة الكتابة و قوة الفيلم، و الحالة هاته، يجب أن يراعي المتلقي و القيم المرتبطة بالواقع ، فالمخرج يرسم خصائص بناء المواطن و الإنسان.
و أضافت “مريم” في نفس السياق أن تجربة إنتاج الرسوم المتحركة للأطفال، على أهميتها في عملية بناء الإنسان و المستقبل، منعدمة كإنتاج في المشهد البصري المغربي على الرغم من أهميتها في بناء الطفل و تكوينه و تكوين مستقبله و شخصيته ،
فالمطلوب ان نربي ابناءنا على ثقافة مغربية تراعي الاخلاق و القيم و الهوية الثقافية و التراثية، وتتساءل بقوة و ثورة جارفة، هل سنبيع أبناءنا من أجل المال؟ نحن نبني الأجيال، و هو ما نطالب به لجنة الدعم ، يجب أن نؤمن بأننا ننتج ليس لأجل مهرجان بل من أجل مشروع هوية.