بقلم الأستاذ: محمد عيدني
تتراجع منابع المياه، وتجف الأنهار، وتغور الآبار في صمتٍ ينذر بالخطر. لم يعد الحديث عن أزمة الماء ترفا إعلاميا، بل أصبح واقعا يوميًا يهدد الأمن المائي والغذائي للبلاد.
لقد عاش المغرب خلال السنوات الأخيرة على وقع مواسم جفاف متتالية، وارتفاعٍ غير مسبوق في درجات الحرارة، وتراجعٍ حاد في منسوب السدود، حتى صار الماء سلعة نادرة في بعض المناطق القروية والجبلية.
تظهر المؤشرات الميدانية أن الموارد المائية تتناقص بوتيرة مقلقة بسبب التغيرات المناخية، وسوء التدبير، والضغط المتزايد على الاستهلاك المنزلي والفلاحي والصناعي.
وبينما يُحذر الخبراء من أن المغرب قد يدخل مرحلة “الإجهاد المائي الحاد”، لا تزال مظاهر التبذير والاستهانة بهذه الثروة الحيوية حاضرة في السلوك اليومي، من سقي الحدائق بالمياه الصالحة للشرب إلى غسل السيارات والطرقات دون وعي بحجم الأزمة.
الماء ليس مجرد مادة للحياة، بل هو رمز للبقاء والتوازن.
وحين يختل ميزانه، تختل معه دورة الحياة كلها: الزراعة تذبل، الطبيعة تختنق، الإنسان يعطش، والحيوان يهلك.
فما الذي أعددناه لمواجهة هذا التحدي؟
هل يكفي بناء السدود ومحطات تحلية المياه، أم أن الحل الحقيقي يبدأ من تغيير سلوك المواطن ووعيه بأهمية الاقتصاد في استعمال الماء؟
إن مسؤولية الحفاظ على هذه النعمة العظيمة مسؤولية جماعية، تشترك فيها الدولة والمؤسسات والمجتمع المدني، ولكنها تبدأ من الفرد ذاته.
فكل قطرة نهدرها اليوم، قد تكون دمعة عطش غدا.
لقد حان الوقت لزرع ثقافة جديدة تقدس الماء كما تقدّس الحياة، وتعلم الأجيال القادمة أن الماء ليس موردا اقتصاديا فحسب، بل أمانة إلهية تستوجب الشكر والحفاظ.
وفي ختام هذا المقال، لا يسعنا إلا أن نرفع أكفّ الدعاء:
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من خيرات الأرض،
اللهم اجعل هذا البلد سقيا رخاء، مباركا ماؤه، دائما خيره، وافرا عطاؤه،
ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنك على كل شيء قدير.