حذّر باحثون في الفقه الإسلامي من خطورة اللجوء إلى السحر والشعوذة في ليلة 27 رمضان، مؤكدين أن هذه الممارسات تتناقض تمامًا مع تعاليم الإسلام والعقل البشري. وأوضحوا أن الشرع قد قطع في تحريمهما في جميع أوقات السنة، بما في ذلك ليلة القدر، التي يجب على المسلمين المغاربة فيها الالتزام بالدعاء والاستغفار والتوبة الصادقة إلى الله.
ودعا باحثون إلى بناء تصور جديد يوحّد الديني والأخلاقي والثقافي لضمان وصول الرسالة التوعوية إلى أكبر شريحة ممكنة؛ من خلال التعاون مع المؤثرين وعلماء الدين المبرزين، باستضافتهم في برامج وحوارات لنشر رسائل تُحذر من مخاطر الشعوذة وتُرشد إلى الطرق الصحيحة”، وكذا “نشر الوعي بين الناس بحقيقة ليلة القدر وأهميتها، والتأكيد على أنها فرصة للعبادة وليس للوقوع في الخرافات”.
كبائر رمضانية
خالد التوزاني، باحث في الشأن الديني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “الشعوذة والسحر يعدّان من الأمور المحرمة في الإسلام؛ غير أننا نلاحظ أن هذه الظاهرة تزداد حدتها في ليلة القدر في نهاية شهر رمضان، وهي الليلة المباركة التي تعد خير من ألف شهر ويُتقرب فيها إلى الله بالطاعات والعبادات لا بالمعاصي والمنكرات”.
وأضاف التوزاني، ضمن تصريحه لبعض المصادر االصحفية، أن “الممارسات الخرافية والشركية في هذه الفترة تمثل إساءة إلى صورة المجتمع المغربي الملتزم بتعاليم الإسلام”.
ودعا الباحث في الشأن الديني إلى “عدم الوقوع في مغبة هذه الآفة، وتعزيز التوعية الدينية في سائر أيام السنة، وتكثيفها خلال المواسم الدينية، ومنها شهر رمضان، وفي العشر الأواخر على وجه التحديد”.
وأشار المتحدث إلى أن “هذا ما تقوم به المجالس العلمية في مختلف المساجد المغربية، حيث يتم تقديم دروس الوعظ والإرشاد عقب بعض الصلوات، مثل صلاتي العصر وقبيل التراويح، وأيضا خصّصت بعض خطب الجمعة لتناول مثل هذه المواضيع وخاصة ضمن خطة تسديد التبليغ التي تركز على قضايا دينية لها أبعاد اجتماعية”.
وشدد التوزاني على “توجيه الناس إلى ضرورة الالتزام بروح الدين الإسلامي من خلال إحياء ليالي رمضان بالذكر والقرآن والدعاء وقيام الليل كما كان يفعل النبي ﷺ، والتحذير من خطورة الممارسات غير الشرعية مثل الاستعانة بالمشعوذين أو الدجالين والسحرة وأهل البدع والمنكرات”، مضيفا “توجيه الناس إلى الالتزام بالتحصن بالأذكار والأدعية اليومية مثل أذكار الصباح والمساء وقراءة آية الكرسي والمعوذات، وغير ذلك مما يعرفه المغاربة من الهدي النبوي في تحصين الإنسان من كل الشرور والمخاطر”.
وقال الباحث سالف الذكر إن “ليلة القدر أمان ورحمة وليست قلقا وخوفا، والشعوذة والسحر ليسا حلاّ بل دمارا للدين والحياة والمجتمع والإنسان”، وزاد: “لذلك، فإن الدعاء وحسن الظن بالله والتوكل عليه مع بذل الأسباب الشرعية في طلب العلاج وفي حل المشاكل يدخل ضمن الحلول الشرعية والمنطقية التي يجدها المرء في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم”، مقترحا “استثمار مواقع التواصل الاجتماعي في نشر مقاطع قصيرة على مختلف منصات التواصل تُحذِّر من الشعوذة وتُرشد إلى البدائل الشرعية”.
وتحدث رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي عن “الجانب القانوني والأمني ضروريا”، مؤكدا على أهميته “لوضع حد لمثل هذه الممارسات، التي لا تضر بالأفراد والمجتمع فحسب؛ ولكنها تمس أيضا بسمعة المغرب بين دول العالم، خاصة أن المغرب قد قطع أشواطا مهمة في التعليم والارتقاء بمستوى الوعي المجتمعي ضد كل مظاهر التخلف والخرافات، فينبغي للأجهزة الأمنية أن تلاحق المشعوذين قانونيا، وتفعيل القوانين التي تُجرّم السحر والنصب واستغلال الدين لأغراض خرافية تضر بالشريعة الإسلامية في ثوابتها”.
ضرورة التوعية
عبد اللطيف الوزكاني، باحث في العلوم الشرعية، شدد على “اعتقاد بعض الناس أن ليلة القدر مناسبة لتحقيق رغبات دنيوية عن طريق السحر والشعوذة هو اعتقاد مخالف لما جاء به ديننا الحنيف”، مبرزا أن “ليلة القدر هي ليلة عظيمة أكرمها الله بإنزال القرآن الكريم، وجعلها فرصة للتقرب إليه بالدعاء والعبادة، وليس لممارسة أمور محرمة تبعد الإنسان عن طريق الحق والرشاد”.
وقال الوزكاني، في حديثه إلى مصادر صحفية، إن “بعض الخرافات المتوارثة تجعل البعض يظنّ أن لهذه الليلة تأثيرا خاصا على أعمال السحر؛ مما يدفع ضعاف الإيمان إلى الانجراف وراء هذه الأوهام التي لا أساس لها من الصحة”، مذكرا بأن “الشريعة الإسلامية تحرم الدجل والسحر والشعوذة تحريما قاطعا، قال الله تعالى: ‘وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى’، فهذه الأعمال لا تجلب الخير لأصحابها، بل تقودهم إلى الخسارة في الدنيا والآخرة”.
وأشار الباحث في الشأن الديني إلى “عدم خلو أي بلد من بلدان العالم من ممارسات السحر والشعوذة، التي يمارسها من لا وازع ولا أخلاق لهم”، لكن “النبي ﷺ حذر من اللجوء إلى الكهان والعرافين، حيث قال: “من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ”، مسجلا أن “هذا يدل على خطورة هذه الممارسات، ليس فقط من ناحية تحريمها؛ ولكن أيضا لما قد تؤدي إليه من ضعف العقيدة والاعتماد على أوهام لا تنفع الإنسان بشيء”.
ولتجنب هذه الظاهرة، دعا المتحدث عينه إلى “تدخل الجميع من مختلف زواياهم للمساهمة في نشر الوعي بين الناس بحقيقة ليلة القدر وأهميتها، والتأكيد على أنها فرصة للعبادة وليس للوقوع في الخرافات. كما يجب التذكير بأن الطريق إلى الخير والرزق والتوفيق لا يكون بالسحر؛ بل بالدعاء والعمل الصالح والتوكل على الله”، خاتما بالتأكيد على أن “الليالي المباركة يجب أن تُستغل في التقرب إلى الله وطلب المغفرة، لا في الانشغال بممارسات تبتغي إيذاء الغير ولا تجلب إلا الضرر في النهاية”.