أكد المشاركون في ندوة وطنية، تنظمها مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم (من 25 إلى 27 ماي الجاري بالريصاني)، على ضرورة الحفاظ على الموروث الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للواحات المغربية.
وشددوا خلال الندوة، التي افتتحت يوم الأربعاء، وتناقش موضوع “الواحة والتحولات الاجتماعية، الإنسان، والمجال، والمجتمع”، على أهمية المجال البيئي والتراث المتنوع لهذه الفضاءات التي تحتاج للدراسة والتثمين.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، السيد عبد اللطيف الميراوي، أن الموضوع، الذي تم اختياره لهذه الندوة، له أهمية اقتصادية واجتماعية وبيئية واجتماعية كبيرة، مضيفا أن الواحات تشكل نظاما بيئيا يطرح العديد من التحديات المتعلقة بالتنمية البشرية والاقتصادية.
وذكر السيد الميراوي، في كلمة عبر تقنية الفيديو، بأن المغرب يولي اهتماما خاصا بمناطق الواحات، كما يتضح من إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، وهي وكالة متخصصة موجهة لتنمية وحماية هذه الفضاءات.
وأبرز أنه بالنظر إلى التراث الإنساني والحضاري، وكذا الإمكانات الطبيعية لمناطق الواحات، فإن تنميتها تعتبر من بين الأولويات الأساسية، لا سيما في إطار الجهوية المتقدمة التي اعتمدها المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأشار، من جهة أخرى، إلى أن نظام التعليم العالي والفاعلين مدعوون إلى الاضطلاع بدور مركزي في تعبئة هذه الموارد واستغلالها لخدمة التنمية في مناطق الواحات.
من جهتها، أكدت السيدة السعدية العطاوي، مديرة البوابة الوطنية والتوثيق بوزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع التواصل)، في كلمة باسم السيد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن الواحات تشكل جزءا مهما من التراب الوطني، و”تعد إحدى المكونات الأساسية للتراث الوطني الغني والمتنوع الذي تزخر به بلادنا وتجسد في ذات الوقت الهوية المغربية المتعددة الروافد”.
وأكدت أن الموروث الطبيعي المرتبط بالواحات أصبح، بفعل عوامل متداخلة بشرية وطبيعية، عرضة للتلف والزوال، مما قد ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للساكنة المحلية لهذه الفضاءات.
وقالت “نتطلع في وزارة الشباب والثقافة والتواصل إلى تضافر جهود جميع الشركاء والفاعلين من أجل تشجيع السياحة الطبيعية في احترام تام لخصوصيات المنظومة الواحاتية، وتحسيس الساكنة بأهمية المحافظة على هذا الرصيد الثقافي الوطني، واعتماد مقاربة تشاركية للنهوض السوسيو- اقتصادي للمجال الواحي”.
من جانبه، أكد السيد محمد الدرويش، رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، أن الواحات الممتدة على 226 ألف و583 كلم مربع من فكيك إلى آسا الزاك، وتوجد بجهات كلميم واد نون، وسوس ماسة، والشرق، ودرعة تافيلالت، تشكل مناطق تمتاز بمؤهلاتها الطبيعية والإيكولوجية وسجلها التاريخي الذي امتاز بإمكانات جغرافية وتراثية جعلتها مناطق عبور واستقرار وتلاقح الأفكار والعادات والتقاليد خلال عقود من الزمن.
وأوضح أن ذلك جعل منها محور اهتمام الفاعلين الأكاديميين والاقتصاديين السياحيين والسياسيين، رغم ما عانته المنطقة من انعكاسات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتراجع احتياطي الماء وقلة فرص الشغل وهجرة السكان، خصوصا الشباب منهم، بحثا عن أسباب العيش الكريم وتحسين أنماطه وهروبا من قساوة الطبيعة ونتائج الاختلالات البيئية والطبيعية والمجالية.
ودعا السيد الدرويش إلى تحصين الموروث الثقافي المغربي ومواجهة كل محاولة الاستيلاء عليه، وتثمين الإحداث الرسمي لعلامة تراث المغرب “بهدف حماية تراثنا بكل أنواعه ومجالاته”، وكذا المهن الحرفية المرتبطة بالواحات وإعادة الاعتبار لها، وإحداث مراكز ثقافية تعنى بقضايا الواحات تاريخا وثقافة ومكونات طبيعية وإيكولوجية، وتوفير كل ظروف الإعلان عن الواحة كتراث وطني، وإنشاء جامعة بكامل الاوصاف في جهة درعة تافيلالت.
وأوضح السيد رضوان مرابط، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن الدراسات المنجزة، وطنيا ودوليا، تؤكد أن الواحات “منظومات منفتحة ومتفاعلة مع محيطها المباشر والبعيد”.
ويتعلق الأمر، يضيف مرابط، بمؤثرات من المستوى الكوني، ومنها الآليات المناخية أو المبادلات الاقتصادية المعولمة، ومؤثرات وطنية وجهوية، ومؤثرات محلية تهم كل العوامل النشيطة في المحيط المباشر وداحل مجال الواحات.
واعتبر أن المجال الواحي مجال انتقالي هش، يواجه ندرة بعض الموارد (مثل الماء) وغني بموارد أخرى، ويعرف اليوم تحولات عميقة ديمغرافية واقتصادية وعمرانية واجتماعية وثقافية وبيئية.
وأبرز باقي المتدخلين أهمية الواحات كنسيج اقتصادي واجتماعي يساهم في التنمية المحلية والوطنية، داعين إلى إيلاء الأهمية القصوى لساكنة الواحات من أجل تحقيق الاستقرار داخلها وبالتالي الحفاظ على موروثها الثقافي والبيئي.
وجرى خلال افتتاح الندوة تكريم مجموعة من الفعاليات الأكاديمية والفنية، وتقديم وصلات موسيقية وأغاني ذات بعد وطني، مع عرض شريط حول واقع الواحات بالمغرب.
ويشارك في أشغال هذه الندوة، التي تنظم بشراكة مع جمعية جهات المغرب، وبتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وقطاع الثقافة، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان ووكالة التنمية الفلاحية، مؤسسات وأساتذة باحثون مختصون من مختلف الجامعات المغربية.
ومن بين محاور الندوة “تجارب مؤسساتية رائدة”، و”إكراهات طبيعية وسياسية وترابية”، و”موارد طبيعية ورهانات تنموية وإيكولوجية”، و” الهجرة والتحولات المجتمعية”، و”ممارسات اجتماعية وثقافات وقيم”، و”الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المجالات الواحية”.
ومن المنتظر أن يتم، في ختام أشغال هذه الندوة، الإعلان عن تأسيس “منتدى السوسيولوجيين والأنتروبولوجيين المغاربة”، مع عرض أرضيته العامة.